صياغة سياسة تجاه الصين.. اختبار أولي لبايدن

آراء 2021/02/07
...

  هيئة تحرير صحيفة {نيويورك تايمز}

  ترجمة: أنيس الصفار 

هدف إدارة بايدن هو تحسين العلاقات مع الصين، فإن إحداث الاسابيع القليلة الماضية تكشف مدى عمق الهوة التي نشأت بين واشنطن وبكين خلال السنوات الأخيرة بخصوص أهم القضايا، ففي هذا الشهر انتشر آلاف من رجال الشرطة في مدينة هونغ كونغ، التي تتمتع بشبه حكم ذاتي، وهم مسلحون بقانون الأمن القومي الصيني الجديد المتشدد لالقاء القبض على عشرات المعارضين من اعضاء البرلمان والمحامين والناشطين.

إن يكن بعد ذلك بأيام، وفي حركة أخيرة منه كوزير للخارجية، أعلن "مايك بومبيو" أن سياسات الصين ضد المسلمين في منطقة شنجيانغ تمثل "أعمال إبادة" و "جرائم ضد الانسانية"، على حد تعبيره، بعد ذلك، وفي ظرف دقائق فقط من تولي الرئيس بايدن منصبه، أعلنت الصين عقوبات بحق 28 مسؤولاً في إدارة ترامب المنتهية ولايتهم والسابقين ومن بين هؤلاء السيد بومبيو.
كانت تلك إحدى آخر ضربات الرد بالمثل وربما هي الرسالة التي أرادت بكين إيصالها، أو لعلها كانت إشارة مفادها بأن السيطرة على هونغ كونغ شأن لا يخضع للتفاوض في العلاقات مع الولايات المتحدة لمرحلة ما بعد ترامب.
أياً يكن الأمر فإن الإدارة الجديدة لم يطرف لها جفن، ومحاولات الصين لاستغلال الانقسامات بين الحزبين لن تجديها، كما قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي في ادارة بايدن. عقب الاعتقالات في هونغ كونغ كتب وزير الخارجية "أنتوني بلنكن" في تغريدة على موقع تويتر يقول ان ادارة بايدن "سوف تقف مع شعب هونغ كونغ وتتصدى لحملة بكين على الديمقراطية" حسب تعبيره.
سياسة بايدن تجاه الصين لم تتحدد معالمها بعد، ولكن يبدو ان ثمة استمرارية بين الإدارتين الرئاسيتين المتعاقبتين، في ما يتعلق بهونغ كونغ. هذا الإقليم الصغير استطاع الثبات بشجاعة أمام مساعي الصين لتشذيب التقاليد الغربية فيه، مثل حرية التعبير ونزاهة النظام القضائي وما يتيسر من الديمقراطية، وذلك عن طريق الاحتجاجات الجماهيرية والانتخابات. رغم هذا ليست في يد هونغ كونغ وسيلة حقيقية للدفاع بوجه العملاق الرابض على البر سوى قدرة الإعلان عن الرأي والضغوط، التي تسلطها الانظمة الديمقراطية في العالم ومنها الولايات المتحدة.
الدعم الغربي للحريات في المنطقة مهم أيضاً من اجل إرسال إشارة الى الانظمة السلطوية، القديمة منها والناشئة. كانت الذريعة التي بررت بها الصين اعتقال اكثر من 50 شخصية معارضة هي أن العديد منهم قد شاركوا في اقتراع "أولي" غير رسمي لانتخاب مرشحين يشغلون مقاعد المجلس التشريعي وعددها 70 مقعداً. صوت أكثر من 600 ألف شخص من أصل 7،5 مليون وكان هذا كافياً بالنسبة للسيدة "كاري لام"، التي اختارتها بكين لمنصب الرئيس التنفيذي في هونغ كونغ، لوصم العملية بأنها "تخريبية" حتى من قبل ان تبدأ.
جرى تصميم المجلس المذكور على نحو يكفل احتفاظ المشرعين الموالين لبكين بالأغلبية، رغم هذا فإن تحقيق المعارضة نصراً حاسماً سوف يمكنها من تعطيل الميزانية، وإذا ما تمكنت من تحقيق ذلك مرتين سيتعين على السيدة "لام" أن تتنحى، بيد أن السيدة "لام" بادرت على أي حال الى تأجيل انتخابات المجلس لمدة عام متذرعة بالجائحة. 
الناشطون المطالبون بالديمقراطية الذين اعتقلوا، وعددهم 50 أو أكثر، لم يوجه اليهم اي اتهام وقد اطلق سراح معظمهم بكفالة. بيد أن الاعتقال بحد ذاته يوضح المدى الذي يمكن ان تذهب اليه بكين ومناصريها في هونغ كونغ تحت غطاء قانون الأمن القومي الصارم، الذي فرض على المنطقة في شهر حزيران الماضي لإضعاف ما تبقى لها من استقلال وحريات.
بالنسبة للرئيس "شيجنبنغ" ومساعديه تترامى دواعي القلق الى أبعد من هونغ كونغ بكثير. فقد أوضح السيد شي بالقول والفعل أنه يعتبر حقوق الانسان والقيم الديمقراطية أسلحة بيد الغرب العدواني، وهو إذ يتحدث عن "مجتمع ذي مستقبل مشترك" أو "إمكانية الانسجام حتى من دون تجانس" فإنه يعني ان الانظمة السلطوية ليست بأقل شرعية عن الديمقراطية الغربية الليبرالية.
من هنا تصبح هونغ كونغ وضعاً لا يمكن التسامح معه في نظر الشيوعيين الصينيين، ليس فقط باعتبارها ذبابة مزعجة ولكن لأنها دحض شاخص لأيديولوجيا السيد شي الليبرالية. عناد شعب هونغ كونغ وشجاعته في الدفاع عن حقوقه التي وعدته بها بكين تحت شعار: "بلد واحد بنظامين" كشفا نوايا الصين الحقيقية مرة تلو مرة.
بيد أن النضال لم ينته. فرغم اضطرار المعارضة في هونغ كونغ الى التراجع امام قانون الأمن الجديد والجائحة أثبتت المحاكم هناك أنها لم تروض بالكامل بعد.
صياغة سياسية أميركية تجاه الصين، سياسة توازن بين الإقرار بقدراتها الاقتصادية والعسكرية مقابل الالتزام بدعم حقوق أهالي هونغ كونغ – وكذلك حقوق الشعوب في مكاو وشنجيانغ والتبت وغيرها من المناطق التي تتمتع بشبه حكم ذاتي التي صمدت أمام بطش بكين، أو تايوان التي تشخص ديمقراطيتها كصوت آخر بوجه الصين الكبرى – سوف تكون تحدياً من أقوى ما تواجهه الادارة الجديدة.
أياً تكن الرسالة التي حاولت الصين ايصالها من خلال قمع المنشقين، فإن على ادارة بايدن ان تواصل الوقوف الى جانب الشعب في هونغ كونغ.