ا.د.عامر حسن فياض
من الجدير بالذكر القول إن ثقافة الخضوع في بلدان المنطقة العربية هي بنت تطور تاريخي سياسي يمتد الى عهود بعيدة . فقد عملت السلطات العربية والاسلامية الحاكمة في مرحلة ما بعد نیل الاستقلال السياسي على اغراق الشرائح الاجتماعية بطوفان من الغرائز الفطرية وتوظيفها، واضفاء هالات القداسة عليها، فالوطن تحول مثلا الى مفهوم مجرد تماما ، والنظام تحول الى وثن يستلب من الانسان اي قدرة على مناقشة اوضاعه، فاصبحت المطالبات السياسية من المحرمات على الجموع الشعبية، والبناء العام للمجتمع أصبح يقوم على افتراض واحدي متعسف يمثل انتكاسا للافكار التعددية لتصبح السلطات الحاكمة هي وحدها مالكة حق تفويض نفسها للتعبير عن الكل ويصبح فکرها هو ايديولوجية الكل في واحد، وفي حدود ثقافة الخضوع هذه أجبر المواطن على وحدانية السلوك والامتثال . وبالنتيجة كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة تنزع إلى خلق جمهور يكرر ما تقوله السلطات الحاكمة، ويجهل كل مسألة علاقة بالفكر النقدي، أما الهيمنة والخضوع على صعيد الفكر فسوف تكون بالفكر الممتثل، ويقوم هذا الفكر على مبداین: عبادة المثال وعبادة الثبات، فالسلطة هي كمال مطلق ونقدها زندقة، ويتضمن الفكر الممتثل ايضا ضرورة الترديد والتكرار الآليين والاعادة الببغائية، التي تنكر على العقل النقد والتقويم والحذف والاضافة، التي تكرس منطق الصمت والسكوت و تثبيت واقع الحال، وفي ظل ثقافة الخضوع تبقى السلطة هي الناطقة والمواطن هو الساكت وبهذا ينتفي كل جديد ومبتكر وابداعي وتبقى ثقافة الخضوع منحطة، لا تعرف لا السؤال ولا الجواب لانها ثقافة «نعم» فقط . كما انها تمدد في عمر واقع الحال المتردي وتكرس الهزيمة بأشكالها المتنوعة:
- هزيمة الانسان ومبادرته وقدراته وتحويله الى آلة عاطلة صدئة او الى بنيان هروبي، يبحث عن مصلحته الذاتية الانانية قبل بحثه عن الوطن.
- هزيمة الفكر وحركته وانتاجه المبدع ودوره في صياغة واعادة صياغة الحياة والمجتمع .
- هزيمة قوى الشعب وتثبيتها في واقع يائس، وجرها الى الماضي في اكثر اشكاله ظلامية وجهلا .
وتأسيسا على ما تقدم فإن ثقافة الخضوع لا تسعف في حل مشكلة الديمقراطية ولا في تعزيز الوحدة الوطنية في العراق والعالم العربي والاسلامي، بل انها ستشكل النقيض لبنية سياسية ديمقراطية، وتلك الثقافة هي الثقافة، التي هيمنت على العراق الجمهوري، لاسيما في مراحله الاخيرة قبل سقوط النظام السابق، والخشية كل الخشية أن تتواصل تلك الهيمنة.