لماذا لا تستطيع أميركا الفوز بالحروب؟

آراء 2021/02/08
...

   دانييل ديفيز

  ترجمة: خالد قاسم

يذكر القادة السياسيون والمحللون السياسيون باستمرار أن الولايات المتحدة لديها أقوى جيش في تاريخ العالم. ومن ثم يتساءل البعض لماذا عجز هذا الجيش القوي عن الانتصار بالحرب الأفغانية، على سبيل المثال، بعد عشرين سنة من المحاولة. وتتعلق الإجابات بما يراد من الجيش فعله أكثر من كيفية أدائه واجباته.
أحد الأسباب الرئيسة لعجز أميركا عن الفوز بالحروب في التاريخ المعاصر هو عندما يتعلق الأمر بالحرب والسلام، فكل إدارة منذ بيل كلنتون قد نفذت سياسة خارجية سيئة. ولا يقتصر الأمر على فشل القوات المسلحة بإخضاع العدو، لكن الحكومة أمرت الجيش بمحاولة وإنجاز ما يستحيل تحقيقه.
شارك كاتب المقالة بتغطية القتال في عملية عاصفة الصحراء 1991 وأعطى الرئيس جورج بوش هدفا سياسيا وعسكريا واضحا: "انسحاب قوات صدام  من الكويت" و "عودة حكومة الكويت الشرعية الى مكانها العادل، وتسترد الكويت حريتها من جديد".
جمعت أميركا قوة دولية ضخمة (ساهمت واشنطن وحدها بنحو 500 ألف جندي) وأنجزوا الأهداف الجوهرية لبوش، وبعدها بأشهر انسحبت تلك القوات عائدة الى وطنها حيث استقبلتهم نيويورك باستعراض مهيب احتفالا بانتهاء الحرب.
كانت تلك آخر حرب انتصر بها الأميركيون، وآخر مرة أصدر فيها قادتهم أهدافا عسكرية وسياسية ممكنة التحقيق. أما بعد تفجيرات 11 أيلول، فقد أصدر الرئيس بوش الإبن مهمة واضحة ومحدودة وممكنة التحقيق لعملية عسكرية أولية، وأمر قواته "بتعطيل استخدام أفغانستان قاعدة ارهابية للعمليات ومهاجمة القدرة العسكرية لنظام طالبان" وأنجز ذلك بالكامل في صيف 2002 وبالتالي بدأت القوات بالانسحاب.
بدلا من اتباع سياسة والده وسحب القوات بعد النهاية الناجحة للمهمة، ترك بوش الجيش يتخبط من دون أي واجب محدد لخمس سنوات غير حاسمة. وكان غزو بوش للعراق 2003 كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فحتى بعد الإطاحة بصدام لم تكلف القوات الأميركية بمهمة متابعة يكون إنجازها نهاية للحرب. 
غيّر بوش في 2007 أهدافه المتعلقة بأفغانستان، قائلا إن المهمة هي "دحر الارهابيين وإنشاء دولة ديمقراطية ومعتدلة ومستقرة تحترم حقوق مواطنيها، وتحكم أراضيها بكفاءة وحليف موثوق بهذه الحرب ضد المتطرفين والارهابيين" أي بتعبير آخر بناء دولة.
لا يمكن انجاز تلك المهمة عسكريا، وعلى سبيل المثال لم تضع إدارة بوش أهدافا عسكرية موكلة للواء مشاة سيؤدي انجازها التكتيكي الناجح الى "دولة ديمقراطية ومعتدلة ومستقرة"، ومثل هذه الأهداف السياسية الصريحة لا تدخل أصلا ضمن نطاق قدرة الجيش.
زادت المشكلة سوءا في أفغانستان بعد مجيء أوباما، إذ أكد أهداف بوش لبناء الدولة وأصدر أمرا في 2009 بزيادة قوات بلاده هناك، معلنا أن المهمة لها ثلاثة أهداف: "جهد عسكري لإنشاء ظروف مناسبة للعملية الانتقالية، وتعزيز مدني يقوي العمل الايجابي، وشراكة فعالة مع باكستان." لم يحو الأمر الأول أية مهام عسكرية قابلة للتحقيق، أما الشرطان الآخران فلم يكونا عسكريين مطلقا.
أرسل أوباما الجيش أيضا للمساعدة بإسقاط القذافي في ليبيا 2011 من دون خطة لما سيحصل بعد ذلك، وأعاد القوات الى العراق 2014 وسوريا 2015 من دون أية أهداف سوى "مساعدة" العراق والقوات الديمقراطية السورية. وإتبع ترامب الأسلوب نفسه عبر ترك القوات في العراق وسوريا ودعمه حرب اليمن بدون توفير أهداف عسكرية قابلة للإنجاز. وكانت نتائج كل من هذه العمليات هي ترك الجيش ينفذ "مهام تكتيكية" فحسب منفصلة عن ستراتيجية تنتج محصلة حاسمة.
بمعزل عن التكاليف المادية والبشرية الجسيمة طيلة عشرات السنين من اساءة استخدام الجيش، فالخطر الذي لا يحظى بالتقدير هو أن الأميركيين استهلكوا قدرا كبيرا من الوقت والطاقة والتركيز على حرب صغيرة الحجم، وسمحوا باستنزاف مهاراتهم القتالية، بينما طور خصومهم روسيا والصين تلك المهارات.
مجلة ناشيونال انترست