العراق وحكومة بايدن الجديدة

آراء 2021/02/08
...

 كريم وهاب العيدان 

غادر الرئيس الاميركي المنتهية ولايته ترامب غير مأسوف عليه البيت الأبيض، من دون أن يشارك في حفل تنصيب خلفه وفقا للبرتوكولات المعمول بها في هذا البلد. لقد خلف ترامب ندوبا كارثية في الوضع الاميركي، افقدته الكثير من وهجه السياسي واضاعت عليه الكثير من فرص المستقبل، لأنه جيّش مؤيديه للاعتداء على الكونغرس الاميركي الذي يمتلك قدسية لكونه بيت الشعب كما يقولون .

 
فأميركا واثر هذا الموقف غدت غابةً تجوب فيها الضواري وتسكنها الغربان، ويحتلها اليمينيون المتطرفون والمحافظون العنصريون، ويعبث فيها الغوغائيون والمجرمون، الذين دخلوا مقر التشريع الاميركي الأهم في العالم، واستباحوا مبنى الكابيتول هيل وعاثوا فيه خراباً، وعبثوا بمكاتب أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وأرادوا تغيير النتائج والانقلاب على الديمقراطية، انتصاراً لترامب، الذي أضر بسمعة أميركا وأفسد علاقاتها، وشوه صورتها وعاب ديمقراطيتها، ورفض الاحتكام إلى صناديق الانتخابات، وأصر بالبلطجة والتشبيح أن يبقى سيد البيت الأبيض والرئيس الفعلي للولايات المتحدة الاميركية. لقد وضع ترامب القيود بيديه عبر هذه الخطوة، التي كان ثمنها باهظا جدا افقدته شعبيته، التي تآكلت كما رفعت عنه حصانة الجمهوريين واضاع معها مستقبله السياسي.
غادر ترامب البيت الأبيض بنسبة تأييد بلغت على مدار الأعوام الأربعة التي قضاها في السلطة 41 في المئة، في أسوأ أداء لرئيس أميركي منذ بدأ معهد «غالوب» للاستطلاع بقياس هذا المؤشر مع هاري ترومان (1945 - 1953) الذي كان، إلى أن انتزع منه ترمب اللقب، الرئيس الأميركي الأدنى 
شعبية.
كذلك، فإن ترمب غادر السلطة تاركاً وراءه بلداً مقسوماً بشدة بين أنصاره الجمهوريين وخصومه الديمقراطيين، إذ أظهر الاستطلاع أن 82 بالمئة من الجمهوريين أبدوا رضاهم عن أداء رئيسهم مقابل 4 بالمئة فقط من الديمقراطيين و30 في المائة من المستقلين.
وبالنسبة لمعهد «غالوب»، فإن هزيمة ترمب في الانتخابات الرئاسية تعود في جزء منها إلى عجزه عن الحصول على أي تأييد خارج قاعدته الانتخابية، في وقت يصنف فيه أقل من ثلث الناخبين في الولايات المتحدة أنفسهم جمهوريين، بينما يعتبر اكثر المستقلين أنفسهم أقرب إلى الحزب الديمقراطي منه إلى الحزب الجمهوري. 
اما نحن كعراقيين ماذا يعنينا غياب ترامب وكيف ستكون مرحلة بايدن مؤثرة في المشهد العراقي؟ وكيف يجب التعاطي معها وماهي حقيقة المخاوف من الرئيس الجديد؟.
بالطبع هناك مؤاخذة كبيرة على مرحلة ترامب أنها لم تول الشأن العراقي أي اهتمام مباشر ذلك، لأن ترامب رفع شعار أميركا أولا، كما ان ترامب ركز على مسار التسوية مع اسرائيل بالدرجة الثانية، من دون ان يبني ركائز أو بنى تحتية للسلام الحقيقي القائم على العدل والشرعية الدولية، مما افقد المنطقة مشاريع حقيقية للتنمية والتطور 
والازدهار.
يجب الاعتراف أن التاثير الاميركي في العراق شئنا أم ابينا، هو واقع فرضته الحقائق والتطورات والاوضاع، التي أوجدتها الحكومة العراقية في زمن المقبور صدام حسين، وماجرى عام 2003 هو حصاد ونتاج تلك المرحلة مما يعني أن العراق هو ضمن سياق معادلة جديدة، يجب التعاطي معها على المستوى السياسي والامني والاقتصادي، لان مصلحة العراق يجب أن ترتبط بهويته الوطنية أولا وبالمعادلات الدولية، بحيث يجب الاستفادة من هذه المعادلة لا أن نكون ضحيتها.
اليوم لدينا متغييرات في الجو السياسي العام أميركيا والرئيس الجديد بايدن لديه خبرة بالشان العراقي أكثر من سابقه ترامب، كما ان مستشاري ومنسقي الرئيس الجديد هم ممن يعرفون العراق والمنطقة بشكل واضح، صحيح أن هناك مخاوف من الرئيس بايدن بخصوص تقسيم العراق وإقامة دولة كردية، الا أن هذه المخاوف لا يمكن أن تكون مدعاة للهروب من الواقع السياسي، لان السياسة وکما هو ثابت ترتبط بواقع الحال وبالظروف المتاحة، والآن تغيرت الكثير من الظواهر والأمور، التي فرضت وقائع وحقائق جديدة یجب التعامل معها برؤية 
شمولية.
نحن كعراقيين يجب أن نفرض واقعا ومعادلة جديدة تجسد انتماءنا الوطني وحضورنا السياسي، فالقوى السياسية يجب أن تتعاطى مع الحكومة الاميركية الجديدة بموقف موحّد، يأخذ بنظر الاعتبار حاجات العراق ومصالحه، وان تقدم رؤية جديدة للقادم الجديد للبيت الأبيض، بعيدا عن التجاذبات العقيمة التي اوصلتنا مع الأسف إلى حافات الهاوية، كما يجب أن نعرف كيف نوظف وكيف نتعامل بوضعنا الاقليمي والحضاري والحيوي، لنكون جسرا للبناء وليس مكبا لنفايات وصراعات الاخرين، فالعراق يجب أن يحوز أولا على اهتمام العراقيين قبل غيرهم، وألا يعتمدوا على الآخرين، لأن المثل العربي القديم يقول "ماحك جلدك مثل ظفرك"، لأن الخطر الحقيقي الذي يهدد العراق، هو ليس ما يخطط له الأعداء من مشاريع تقسيم ولا تآمرهم على وحدته الوطنية، وإنما غياب المشروع السياسي وبرنامج عمل للتطبيق، وأدوات تنظيمية قادرة على تأطير وإيجاد إجماع وطني.
ان أي اجماع وطني سيكون الجاذبة للاهتمام، بل وللاحترام الدولي ليعود العراق إلى صدارة الأحداث في العالم والمنطقة .
وتبقى في الوقت الراهن خطوات إدارة بايدن التي ستتخذها في الملف العراقي موضع تنبؤات، لكن المؤكد أن الملف العراقي سيعود إلى صدارة اهتمام هذه الادارة، نظرا لان أي جهد أميركي لترميم سياساته في الشرق الأوسط، لا بدّ أن ينطلق أو يتجسر عبر المفتاح العراقي، سواء مع ايران أو مع الدول الخليجية التي ستكون لإدارة بايدن ملاحظات عليها، وبالتالي فإن قرارات ادارة بايدن المقبلة ستكون محكومة بتطورات الوضع العراقي وبقية الملفات الاقليمية الأخرى، ولكن لهذه الادارة حتما رؤية أخرى تتعلق بالوضع العراقي، غير تلك التي شهدناها في حكومة ترامب، حيث سيكون موقع العراق وجهده السياسي نقطة ارتكاز بالتأثير في الواقع الاميركي المقبل.