مداخل المدن.. بغداد أنموذجاً

آراء 2021/02/09
...

  مهدي القريشي
 
 
 
كل الانطباعات الاولى والمشاهدات المبكرة تبقى راسخة في الاذهان الجمعية وتأبى الخروج او التمظهر من جديد، الا في حالة وجود أشياء تتساوق أو تتشابه معها في المضمون أو الاجراء، فاللقاء الاول بالحبيبة او الدخول الاول للمدرسة او الابهار بمتنزه يأسرك جمال تنظيمه وبهاء وروده واشجاره، وغيرها الكثير ولا نستثني من تلك الاولويات، الدخول الاول لمدينة كنت تحلم برؤيتها كعروس يغسلها المطر.
بغداد أكثر من مدخل بري وجوي وبحري، لكننا سنختصر حديثنا عن المداخل البرية، لاسيما انها ترتبط بشكل عضوي بالمحافظات جميعاً يستقبل ويودع يومياً الآلاف من الداخلين والمغادرين العاصمة، كل هذه المداخل تفتقر الى ابسط المقومات الجمالية والعمرانية، وللمواطن الحق ان يرى مدخل عاصمته بأبهى صورة وله الحق أيضاً أن يتباهى بمداخل عاصمته، مقارنة بمداخل العواصم الاخرى، خاصة عواصم دول الجوار على اقل تقدير
 فأول ما يثيرك فيها مداخلها، سعة شوارعها، الواجهات الحضارية للبنية التي سوف ترشدك الى تأريخ حضارتها، ماضيها التليد، حاضرها الزاهي، الذي يغنيك عن تصفح مئات الصفحات من تاريخ المدينة، وتمنحك انطباعاً أولياً عما يميزها من تكثيف للعمارة وبالتالي انبهار للرؤية البصرية . 
لكن الاشكالية هنا في مداخل مدننا والتي تمتد جذورها الى عمق التاريخ، بغداد انموذجاً،. فسوف تصطدم ذائقتك الجمالية من المشاهدات الاولى لمداخل هذه المدينة، التي أُريد لها ان تكون حاضرة العالم في قرننا الحالي كما كانت
 بالامس . 
مداخل بغداد المتعددة أُقيمت وشيدت بعيداً عن معايير واسس جماليات العمارة المرتبط بواقع المدينة البصري، ففي معظم عواصم العالم ومدنها المهمة خاصة التي تقع في البلدان المتحضرة، لم تهدف مداخل المدن لاحياء روح الجمال في تصميمها كهدف اولي فحسب، بل الى تحقيق وظائف آخرى ترتبط بالامن والتاريخ ومدى تناسبها مع حجم ونوعية وسائل المواصلات
والنقل . 
لبغداد أكثر من مدخل بري وجوي وبحري، لكننا سنختصر حديثنا عن المداخل البرية، لاسيما انها ترتبط بشكل عضوي بالمحافظات جميعاً يستقبل ويودع يومياً الآلاف من الداخلين والمغادرين
 العاصمة. 
كل هذه المداخل تفتقر الى ابسط المقومات الجمالية والعمرانية، وللمواطن الحق ان يرى مدخل عاصمته بأبهى صورة وله الحق أيضاً أن يتباهى بمداخل عاصمته، مقارنة بمداخل العواصم الاخرى، خاصة عواصم دول الجوار على اقل
تقدير . 
لكن ما يؤلم، ان يتحول الحلم الى كابوس يجثم على رقبة مداخل العاصمة وتصطدم الذائقة بالقبح ويستوطن فكرك ومخيلتك في زمن ما قبل اكتشاف البترول، فالشوارع ضيقة وتتكدس على جوانبها الترابية، النفايات، وتكثر فيها المطبات والحفر التي صنعتها السيارات الثقيلة، نتيجة الفساد في تعبيد الطرق، وسوف تخدش ذائقتك الالات والادوات الاحتياطية المستهلكة، التي يعرضها اصحاب ورش (التصليح والتفسيخ) على امتداد الفضاء الفاصل بين الشارع
 ومحالهم. 
اضف الى ذلك عدم وجود الانارة الكافية ليلاً، ويفتقر الطريق من التشجير او منطقة خضراء قبل دخول المسافر وبعد ان يمر من تحت السيطرة العسكرية . 
هذا الانطباع يخلق فجوة ثقافية بين المواطن والعاصمة وتتسع هذه الفجوة كلما تحققت رؤيته بأن هذه ليست بغداد، التي قرأ عنها أو تراءت صورتها في الاحلام، مدينة تسورها الحدائق والمتنزهات الطافحة بالخضرة، تتراقص أشجارها على موسيقى واغان طربية وتهتز اغصانها، كلما صدحت الموسيقى في دار الاوبرا او الباليه، بل سيجدها امتدادا طبيعيا للخراب المترسب في مداخلها، بل اكثر قتامة ومأساوية حتى نصل الى مرحلة فقدانها لهويتها
المدينية.
فأين امانة بغداد والحكومة المركزية من هذا القبح والخراب؟