ثقافتنا

آراء 2021/02/09
...

 د. كريم شغيدل
 
 
اعتدت أن أكتب عن انقلاب شباط الأسود، لا لشيء بل للتذكير وإدانة العنف الوحشي الذي رافقه، اعتقاداً مني بأن التذكير المستمر بمثابة تحذير من تكرار المآسي التي تسببها سورات العنف التي تجتاح البلاد بين حين وآخر، انطلاقاً من قوله تعالى(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) ولكن هذه المرة أود أن أغير وجهتي وأتساءل: أليست الثقافة واحدة من المصدات الأخلاقية لتلافي العنف ونشر لغة الحوار والتسامح والسلام والتعايش؟ نعم هي كذلك. إذاً ما الذي حدث؟ ألم تكن الثقافة العراقية في ستينيات القرن المنصرم في أوج حراكها، شعر حر وقصيدة نثر ومجلات وترجمة ووجودية وتطلعات ويسار ويمين وفلسفة وعلم اجتماع ومسرح وغناء وفن تشكيلي وانفتاح غير مسبوق، بل إن ملامح الحياة المدنية التي أرستها الحقبة الملكية لا تزال قائمة، على الرغم من هيمنة الخطابات الأيديولوجية خلال حقبة الجمهورية الأولى وسورات العنف السياسي التي تخللتها، لكن أن يصل الأمر إلى الحد الذي وصل إليه فهو أمر يحتاج إلى وقفة 
حقيقية.
ربَّ قائل سيقول وماذا عن العنف الذي تفشى بعد سقوط النظام؟ سأقول هو جزء من تلك التراكمات مضاف إليه توابل المؤامرات والتدخلات والمصالح وغياب الثقافة الحقيقية التي سيّسها النظام المباد، ما لم نقل مسخها وسخرها لخدمة خطابه، وحديثنا عن ثقافة الستينيات بوصفها حقبة تأسيسية تشكلت على هيكلها بنى الثقافة العراقية حتى يومنا هذا، وكانت السبعينيات تتويجاً لمخاضاتها، والسؤال لماذا عجزت تلك الثقافة، بالرغم من إنجازاتها عن إيقاف ذلك العنف؟ نعم هو فعل سياسي، ولكن هل نبرئ المثقف من ذلك الفعل؟ ألم يكن السياسي مثقفاً؟ سنقول إن السياسي اليساري (المثقف) كان هو الضحية والسياسي اليميني هو الجلاد، لكن ألم يكن بين القوميين والبعثيين آنذاك مثقفون؟ والدليل أن بعضهم قدم براءته، لكن البعض الآخر أوغل في مستنقع الدم.
ألا ترون بأن الثقافة بما تبطنه من أنساق البداوة كانت جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل؟ نعم فالخطاب الثقافي برمته، بما ينطوي عليه من جماليات كان يضمر قبحاً ويكرس مفاهيم الاستبداد والعنف والكراهية من دون إدراك من المثقف المؤدلج ومن المتلقي المصفق.