قصيدة ستالين

ثقافة 2021/02/10
...

 مهند الكوفيّ
كتبت يوما، تعتريني سعادة كبيرة لأنني أعيش في البلد الذي عاش فيه داستويفسكي، تولستوي وتشيخف. أشعرُ بالبرد الذي شعروا به. أقلبُ وجوه الفتيات وألقابهن كي أحظى بحفيدة سولجنيتسين أو ابنة آنا أخماتوفا. الحيرة: قبل أن تمسها تسأل: ما اسم العائلة؟، القلق: هو أن تبحث عنك، في وجوه الآخرين. السعادة: أن تعيش في مكان الذين رحلوا، وتبحث عنهم بلا مقابل. اللقاء: أن تدخل حانة تولستوي، تنتظره، ليقدم لك النبيذ. 
عندما كان طفلا، حلم أن يصبح ملحناً وعازفا. في شبابه أراد أن يكون فيلسوفا بعد تلقيه دروسا عن الألمانية مع الفيلسوف هيرمان كوهين. ولكن، لعنة الأدب رافقته حتى صار كاتبا. ولد بوريس باسترناك في موسكو. درس الفلسفة والقانون. عام 1912 كتب الشعر، وشارك في الجمعيات الأدبية المختلفة. نشر أول قصيدة له "جرعة" في كتب مشترك مع عدد من الشعراء. نهاية العام نفسه نشر مجموعته الأولى "توأم في السُحب" بعد ثلاث سنوات نشر المجموعة الثانية "في أعلى الساتر". 
عام 1934 ألقى خطابا في مؤتمر أدبي، في الوقت ذاته أقترح نيكولاي بوخارين لقب أفضل شاعر في الاتحاد السوفيتي لباسترناك. بعد مدة من الزمن ساء موقف زملائه اتجاهُ؛ لكتابته عن الطبيعة والعاطفة، أرادوا منه أن يكتب ضد سياسة النظام الحاكم آنذاك. 1946 كتب روايته الحاصلة على جائزة نوبل للآداب "دكتور زيفاجو" كانت رواية واقعية لدرجة أن شخوص الرواية قُتلوا وسجن البعض الآخر. 
أولغا ايفينسكايا شخصية رئيسة في الرواية، ألقي القبض عليها وتم تعذيبها طُلب منها إخبارهم إذا ما كانت معارضة كما في جاء في الرواية! بعدها أُرسلت إلى المعسكرات حيث أمضت أربع سنوات مع الأشغال الشاقة. لذا أصبح أول كاتب يقتل شخوص روايته مرتين!! عام 1958 رشح الكاتب الفرنسي البير كامو رواية باسترناك لجائزة نوبل. في 23 اكتوبر 1958، منحت اللجنة السويديّة باسترناك لقب الحائز على 
الجائزة. 
نتيجة الكتاب الذي نشره الكاتب بينيديكت سارنوف "ستالين والكُتّاب" عام 2008، كتب فيشنفيتسكي ايزي هذه المقالة التي توضح ما حدث في الاتصال الهاتفي بين ستالين وباسترناك. في الآونة الأخيرة، تتيح المواد والوثائق الجديدة من الأرشيفات التي تم فتحها إمكانية النظر إلى العديد من أحداث الماضي التاريخي بطريقة جديدة.
ذكر بوريس باسترناك، أنه قد جاءهُ اتصالا هاتفيا من رئيس الاتحاد السوفيتي الأسبق يوسف ستالين، عام 1934. حيث كان سبب تلك المحادثة اعتقال الشاعر أوسيب ماندلستام، على إثر كتابته قصيدة إلى ستالين. مع أن باسترناك كان مؤيدًا لستالين في ذلك الوقت. أراد نيكولاي بوخارين المعارض لنظام الحكم، الذي اغتيل بعد مرور يوم واحد على الحادثة. بعدها نشر بوريس ملاحظته عن الحادثة بعد اعتقل ماندلستم وبوخارين، الأمر الذي جعل ستالين يتصل شخصيا ببوريس. صار الاتصال حديث الشعب آنذاك، وكُتب عنه في الصحف والجامعات وعشرات من الدراسات النقدية.
كتب باسترناك في مذكراته، كنت اجتمع بشكل مستمر مع الشاعر أوسيب ماندلستم، بوخارين وبعض الكتّاب المعارضين، رغم أني كنت ذلك الرجل الذي يرى الواقع من بعيد، لم أعارض ولم أقتنع بالسياسة المتبعة. وقتها كنت معترض على قصيدة قد كتبها ماندلستم وقرأها لنا. ما كتبه: 
نعيشُ تحتنا، لا نشعرُ بالوطن!
حديثنا إشارات تائهة لا تُفهّم.
هل تكفي نصف كلمة لوصف الأشياء؟
تمثالهُ هناك، أعلى الكريملين
أصابعهُ ممتلئة، كديدانٍ سمينةٍ!
كلماتهُ دقيقة، مثل أوزان الذهب 
تحيط به الصراصير الرِفاق 
يكتبُ مرسومه على الحَدْوات، ويعلقها على آذاننا!
 كان ردي قاسيا، حينما انتهى من القراءة، قلت له: لا استطيع تقييم القصيدة، لأن ما قرأته لا علاقة له في الشعر! وليست حقيقة أدبية وإنما عمل انتحاري، لا أشاركك الأمر، ولا أريد سماعها مرة أخرى. أتمنى أن لا تقرأها مجددا. ولكن، أعتقل ماندلستم بعدها بيوم.
الساعة الرابعة عصرا، حيث كان باسترناك يتناول العشاء، رن الهاتف:
بدأ المتحدث بلا تحية "أطلبوا لنا باسترناك"
من أنت؟
الرفيق ستالين سوف يتحدث معه.
أكرر، الرفيق سوف يتكلم معه.
لا تكذب! لا تمزح معي! قالتها زوجته وهي ترتعد خوفا. 
سأعطيك هذا الرقم.
اِصفَرّ باسترناك حينما كتب الرقم.
اِتصل بالرقم..
ستالين: ما علاقتك بماندلستم؟
باسترناك: عفوا سيدي، كان صديقا لي في مجال الأدب، أنا لا أعرف عنه. أود أن أقول: إنها فرصة عظيمة للتحدث معكم، طالما حلمت بذلك.
ستالين: تخليت عنه خوفا؟ فقط نحن البلاشفة القدامى، لا نتخلى عن أصدقائنا. لست بحاجة لإجراء مكالمة سيئة معك.
انقطع الاتصال. حاول باسترناك الاتصال على الرقم ذاته، ليثبت أنه ليس صديقه، وليس بداعي الخوف تكلم، ولم يتخلى عن صداقة غير موجودة. شاط باسترناك غضبا، الأهم من ذلك، أن الهاتف لم يرد.