عادل السرحان
تنساب في المنور الضيّق
تعزفها الأشياء المركونة
ومثل زهرة غاردينيا تتفتح
روحي لحن من أناشيد القرية
النائية.. من عناقات ماورائيةٍ
مازالت الشتاءات تذكرني بها كل عام
تذكّرني؟
ويلي..وكيف أنسى؟
والروح أوتارها الصادحة محيلة...
يازهرة القرى القصية تؤرقني الشتاءات
بعيداً عنكِ.. عن نخلةٍ مبللة كعروسٍ
جنوبية ساعة المطر.. عن أرضٍ
هي طبع خطانا اللينة.. عن جداول
خمرتها سكرةُ الضفاف
وبيوت الطين النابتة من تربتنا
على جانبي الطريق المتعرج
تمسح وجوه العابرين بطيبها
والغيومُ قبة من سحر غابة
مطيرة من الصباح الى المساء
والسماء تغسلُ كل شيء..
كل شيء حتى وجوهنا
البريئة التي تراقب الملكوت
بخيالاتٍ تزهر مع البرق والمطر
سيوف الملائكة تضرب الغيوم
تسوقها للقرى المتلهفة
وصوت المَلَك المزمجر في الرعد
يفزع قلوبنا الصغيرة
ويهطل المطر
فننشُدُ من الشبابيك
مطراً.. مطراً..ياشاشا
ويرد الصوت صغار جارنا
عَبّر بنات الباشا
كلمات نلهج بها ونكركر
حتى يسكتنا الكبار بنظرةٍ
أو بصرخة.
وكل عام حين أسمعُ أغنية المطر
أعودُ طفلاً قروياً يلهو بلا هموم
وأود لو لم تفطمنا الحروب
العمياء عن ثدي البراءة
لو أركض بين النخيل حافياً
أضمُّ البلابلٍ الى صدري
أختبئ تحت نخلةٍ حتى تتلاشى
الخيوط الفضية
أفتشُ عن فِطْرٍ نهدت به الأرض
وأجمع البطنج لأمي من كتفِ النهر
أطلق صوت صفير ألقى صداه في أوداج
طير يسكن نخلة
فأنتشي بحوارنا الطفولي
وحين تمر سروب الزرازير الباحثة
عن تمر الشتاء
أقبلها من بعيد وألقي
التحية على (أم سليمان) *وفرس النبي*
وأنصت الى هديل حمامة تنشد
شكواها كوكو كو يابنتي طاح الرطب (ماضگتيه)*
أحزن لفراق ابنتها
قبل أن يأتي موسم الرطب
وأواسيها أردد أنشودتها الحزينة
وأبكي ثم أرفع صوتي من خلل
الغياب.. كم موسمٍ قد مر ماذقنا
الرطب.. والنخل مات صغيرتي
وغدا حطب نوحي على كوكو فقد شاء القدر
أن لاترى هول الزمان وما كتب.. ثم
أنصت من جديد لأغنية المطر.
* أم سليمان: من الزواحف الصغيرة المسالمة التي تنتشر في القرى وكنا نسلم عليها حين نلقاها كتقليد قروي شائع.
* فرس النبي: من صنف الجراد حشرة رشيقة طويلة الارجل تميل إلى اللون الاخضر جميلة ومسالمة.
* كوكو كو يبنتي طاح الرطب ماضگتيه هذه تفسير قروي لهديل الحمامة وانها تنوح لأن ابنتها ماتت قبل ان يأتي موسم الرطب وتأكل منه.