جريمة شباط.. من يمسح ندوب الذات العراقيَّة؟

آراء 2021/02/10
...

 محمد خضير سلطان
بحلول الذكرى الدموية الثامنة والخمسين لواقعة شباط السوداء، لم يزل المجتمع العراقي وأوساطه الثقافية والسياسية، يستعيد ندوب تلك الواقعة القاتمة في الذات العراقية، بمزيد من ذاكرة  الرعب والخوف والقلق الذي تركه المجرمون سعياً الى ترسيخ جريمتهم السياسية على هذا النحو، وتأصيل وجودهم الإجرامي من خلال ذلك، ما دعا المشهد السياسي العراقي،  يعيش هذه الحالة في سياق خطابه العام، وينمو على إيقاع القتل والتآمر، ويتواصل مع هذه الجريمة بوصفها أيقونة التسلط ومد جذوره العنفية الكاسحة، التي تسعى الى الانقضاض على السلطة مهما كانت عملية استخدام الوسائل بأشكالها الأكثر فظاعة وبشاعة وهمجية.
 
بالرغم من ان المراقبين السياسيين لايعدون جريمة شباط بوصفها واقعة محلية صرفة، ويشيرون الى مشاركة إقليمية ودولية في تنفيذها، غير أن المشاركة الخارجية وحسب تصريحات مسؤولي مخابرات وسياسيين، لم توافق على السلوك الاجرامي للمتآمرين الى هذا الحد من البشاعة والرعب
 والمهم لدى زمرة الشباطيين هو التعطش لسفك الدماء والوصول الى السلطة، ولو كانت على حساب المقدرات الانسانية ولا سبيل الى ذلك سوى إخضاع الجماهير عن طريق الدبابة والبندقية. 
إن المشهد السياسي العراقي ومنذ ذلك الحين قد تمت صياغته على النحو الذي يستخدم الخوف والتدمير للقضاء على تعاطف الجمهور، وبه شرعت بذور الاغتيال والتصفية السياسية، تأخذ صيغتها الهمجية في تصفية الخصوم، من دون النظر في الجوانب القضائية والحقوقية.
يذكر طالب الشبيب في مذكراته بأن حشداً من الضباط والجنود والمدنيين، صباح ذلك اليوم الذي انتشر فيه خبر تصفية قائد القوة الجوية جلال الاوقاتي، تجمهر هذا الحشد أمام بوابة معسكر الرشيد الرئيسة، وهتف « عاشت الجمهورية الخالدة» أو «ماكو زعيم إلا كريم» وسرعان ما ظهر لهم أحد الضباط البعثيين «أنور عبد القادر الحديثي» ليطلب من أحدهم إعادة ترديد الهتاف وحين فعل بادره باطلاقة من مسدسه فارداه قتيلاً وفض التجمهر على الفور.
وما إن ارتفع النهار في ذلك اليوم المشؤوم حتى تجمع الناس ليحيطوا بوزارة الدفاع ويطالبون الزعيم قاسم بمنحهم السلاح غير أنه رفض الوقوع في مثل هذا الخطأ الفادح في السياقات العسكرية، بالرغم من موقفه الذي لايحسد عليه، بينما من الجانب الآخر للمتآمرين فقد اعرضوا عن التعاطف الشعبي ولم يلقوا له اهتماماً، حتى أكد الباحث الدكتور الراحل علي كريم سعيد بان المتآمرين « لهم الدبابة ولخصومهم التعاطف
 الشعبي».
وبالرغم من ان المراقبين السياسيين لايعدون جريمة شباط بوصفها واقعة محلية صرفة، ويشيرون الى مشاركة إقليمية ودولية في تنفيذها، غير أن المشاركة الخارجية وحسب تصريحات مسؤولي مخابرات وسياسيين، لم توافق على السلوك الاجرامي للمتآمرين الى هذا الحد من البشاعة والرعب. 
وحاولت ان تتبرأ منه ، وعُدّت الجريمة شرخاً في الذات السياسية العراقية، تواصل تبديها في المشهد السياسي وتندفع في صيغة جديدة على مدى
 قريب.
خليق بالمشهد الثقافي والفكري، استعادة قراءة الجريمة وتحليل خطابها الاجرامي المتصل بطبيعة المجتمع السياسي العراقي، بدءا من تشكل خلايا الجيش العراقي ودفعها الى الاستيلاء على مقاليد السياسة، بدلا من ان تكون داعمة لها، ولعل أطوار جريمة
 شباط.
 تبدأ من هناك، إذ تسللت الزمر العسكرية الطامحة الى السلطة لتطيح بالخطاب السياسي وتستحيله الى كيان تسلطي، ينأى عن خطاب تحديث الدولة العراقية، ويحدث شرخاً في الذات والهوية العراقية.