في الكاريزما

آراء 2021/02/10
...

 علي المرهج
لا أحدثكم عن معنى (الكاريزما) لأنكم من فرط استخدامها، قد يعرف الكثير منكم معناها وقد يستشعره. يرتبط مفهوم (الكاريزما) بالهبة الإلهية، التي يمنحها الله لفرد بعينه من أفراد المجتمع، وقد تجلت في الدين والتصوف والسياسة والاجتماع، ففي الدين نجد هناك رجال الدين يمتكلون تأثيراً كبيراً في أوساطهم الدينية، وإن سألت الكثير ممن يؤمنون بتأثير (كاريزما) رجل الدين هذا وماذا يعرف المواطن المؤمن برجل الدين هذا عن تاريخه ومعرفته لا يُجيبك، وقد يصدمه ويقف فاغراً فمه، وكأنك تسأله عما هو بديهي وبين!.
الحال تنطبق على من يؤمن بالقُطب الصوفي، الذي تجد آلاف الناس يزحفون أو يجتمعون للُقياه، وإن بادرتهم بالسؤال عن تاريخه المعرفي وما قدمه من كرامات، قد لا يعرفها الكثير من أتباعه!.
لا يختلف الأمر مع القادة السياسيين وقادة الأحزاب، الذي يجدون الآلاف يحتشدون أمام مقراتهم الحزبية لهعلهم يستطيعون اللقاء بهذا القائد (الضرورة).
ولا يختلف الأمر في الأوساط الاجتماعية، حينما ترث الجماعة محبة شيخ العشيرة أو سيد من سلالة رسول الله، ولك أن تسأل الأتباع عن تاريخ قامات سياسية وصوفية ودينية وعشائرية يتبعونها، وتُشاكسهم قليلاً لتكشف أنهم ورثوا المحبة لهؤلاء الأشخاص الذين حباهم الله أو القدر أو الصدفة بمحبة، من دون غيرهم، وهذا لا يعني أنهم لا يمتلكون مقومات (كاريزمية) تضعهم في الصدارة، ولكن المشكلة ليست فيهم بقدر ما تكون المشكلة في أتباعهم ومريديهم.
قد تُشارك جماعة لها سطوة أو تأثير سياسي أو إعلامي بصناعة (كاريزما) لشخص ما قد لا يمتلك مؤهلات تضعه في الصدارة، وهذا أمر حاصل في جميع الأمم بما فيها الأمم المتقدمة، وإلّا بماذا تفهم حضور وتأثير شخصية رعناء مثل «ترامب»، ولك أن تقيس بمسطرة حضور ترامب عشرات الشخصيات في مجتمعاتنا الشرقية، الذين صور لنا مريدوها على أنهم أصحاب (كاريزما) وهم لا يصلحون لقيادة أنفسهم.
قد يرث الشخص الكاريزمي قدرة التأثير من تاريخه العائلي، وقد يمنحه الوسط الاجتماعي هذه (الكاريزما) على وفق إيمان الآخرين بقدرته على التأثير والتغيير كما يذهب لذلك (ماكس فيبر).
هل يوجد مقياس لفحص ذكاء الشخص (الكاريزما)؟، بالتأكيد الجواب كلا، لأن الشخص بكل ما يمتلكه من مهارات وقدارات لا يستطيع أن يمنح لنفسه حضوراً وتأثيراً (كاريزمياً) من دون وجود جماعات تؤمن به أو تعمل لحسابه لتصنع هذه (الكاريزما)، وقد يستحق لفرط ذكائه، وقد لا يستحق، ولكن جماعات ما أو جماهيره التي آمنت به، يُمكن لها أن تصنع له (كاريزما)، لا تأكيد لها في متابعة خطاباته أو مدوناته إن كانت عنده مدونات، ولكن تأكيدها يُستمد من كُثرة أتباعه، وهذا عامل لا يُمكن التغاضي عنه
 أو إهماله.
قد تكون (الكاريزما) حاضرة حضوراً معرفياً، كما هو حضور أرسطو في الفلسفة الإسلامية، وقد تكون حاضرة حضوراً صوفياً أو عرفانياً كما هو حضور (الحلاج) أو (ابن عربي)، وهذا الحضور حضور هادئ يتسلل عبر الاستدلال في الفلسفة، وعبر الكشف والحدس في التصوف
 والعرفان.
ربما تجد في (الكاريزما) ثقة عالية في النفس، وقد يكون بعضهم لا يمتلك هذه الثقة، من خلال فحص حركاته وسكناته في لقاءاته التلفازية أو اللقاءات المباشرة، ولكنه قوي بجماعته، هذه الجماعة التي كلما ضعفت ثقته بنفسه وقدرته على القيادة منحته طاقة إيجابية، تجعله يعود أكثر حيوية، ويُصرح بتصريحات متناقضة حين تضعها على سرير التشريح الفكري، ولكنها مقبولة في وسطه المؤثر في تغيير مسار السياسة مجتمعياً.