عالم متحول سريع التغيير

آراء 2021/02/14
...

 د.أثير ناظم الجاسور
لطالما تم الحديث عن التحولات الدولية في العالم وكيف أحدث تغييرات لها دور في تغيير تركيبة النظام وفواعله، بالرغم من ان الفاعل الأساس فيه الدولة وما لها من دور في عملية التحول بين صعود دولة وأفول او ضعف أخرى، لكنها باتت اليوم تحاط بجملة من المحددات التي أسهمت في ان تكون كابحاً لطموحاتها، خصوصاً بعد ان تم تقسيم العالم بين دول كبرى ومتوسطة وصغيرة.
تحول النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين وتغيرت ملامحه أكثر من مرة وفي مراحل متقاربة لا تكاد ان تأخذ الدول نفساً عميقاً حتى ترى انها دخلت في معترك جديد يتطلب تبدل أولويات وتوجهات مختلفة عن المرحلة السابقة، فالعالم باتت تحولاته سريعة جداً ولا تنفع النظريات لا الكلاسيكية ولا الجديدة في ان تقرر وتفسر ما ستؤول اليه الأوضاع لشدة سرعتها وحدتها
 منذ تأسيس الدولة القومية والنظام الدولي يسير وفق قواعد وضعت من قبل القوى المهيمنة والمسيطرة، فتارة هي من يخرق هذه القواعد لمقتضيات المصلحة، وتارة أخرى تتطلب ضرورات النظام ان يُحدث تغييرا يُعيد رسم الخارطة الدولية وفق المنطلقات الفكرية والفلسفية لهذه القوة او تلك، وتخبرنا كتب التاريخ والسياسية عن عمليات التحول التي تطرأ على النظام بين الحين والآخر التي بالمجمل هي تُعد من ضمن التحديات التي يواجهها النظام، والتي لا بد من التكيف معها وفق سياقات عقلانية حتى وان كانت هذه التحولات تصاحبها بعض الخسارات هنا او هناك، فالتحولات الأساسية منذ الحرب العالمية الأولى ولغاية نهاية الحرب الباردة هي عبارة عن ستراتيجيات تتبدل وفق تبدل التفكير الستراتيجي سواء لصناع القرار او للفريق الحاكم للقوى الكبرى بالدرجة الأساس، فيما بعد تم الحديث عن توازنات وتمرير للمسؤوليات تسهم بها القوى لأجل استمرار وديمومة سيطرتها على المناطق الحيوية والحساسة بالرغم من التعقيدات التي تتضمنها هذه المناطق.
معظم التحولات تتحدث عن صراعات بين الدول تحاول ان تخلق نوعاً من القوة لها تساعدها على ردع القوى التي تنافسها في نقاط مختلفة من العالم، لكن مع التطور الحاصل سواء في العقل الإنساني او التطورات في العلوم والتكنولوجيا أسهمت في خلق فواعل أساسية في النظام الدولي اساس هذه الفواعل بالأغلب اقتصادية تتغطى بعباءة العولمة والثورة العلمية والتقنية التي تمثلت بالمنظمات والشركات المتعددة الجنسيات، فضلا عن الجماعات المسلحة (الإرهابية) التي أيضاً يتم دعمها من قبل الدول مثلما فعلت الولايات المتحدة الاميركية في أفغانستان عند احتلالها من قبل القوات السوفيتية عام 1979 بعد ان اطلق عليهم في حينها تسمية (مقاتلو الحرية)، سمة النظام الذي لا بد من ان يتعرض لتحول وتغيير كان بين الحين والآخر يحتاج لسنوات حتى تتم صياغة مبادئ جديدة لمرحلة جديدة والتحديات هي بالعموم بين الدول، لكن عالم اليوم يواجه تحديات اكبر لا تهدد فقط سياقاته انما ايضاً هددت كل منطلقاته الفكرية التي أسست على صيغ تفسيرية تحليلية لشكل ومضمون النظام، ليكون التحول هذه المرة سريعاً خارج السياقات فائق التوقعات حتى انه غير قابل للمواجهة بالرغم من التخطيط المحكم.
لقد تحول النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين وتغيرت ملامحة أكثر من مرة وفي مراحل متقاربة لا تكاد ان تأخذ الدول نفساً عميقاً حتى ترى انها دخلت في معترك جديد يتطلب تبدل أولويات وتوجهات مختلفة عن المرحلة السابقة، فالعالم باتت تحولاته سريعة جداً ولا تنفع النظريات لا الكلاسيكية ولا الجديدة من ان تقرر وتفسر ما ستؤول اليه الأوضاع لشدة سرعتها وحدتها، وكانت وما زالت ازمة جائحة كورونا دليلا على اللحظات السريعة في التغيير والتحول التي بينت في اكثر من مناسبة ان فكرة اضمحلال الدولة غير ذات نفع، وان عدم سيطرة الدولة ومركزيتها ضرورية في الازمات التي تحيط بالعالم اجمع، فهذه الجائحة على سبيل المثال فضلا عن الكوارث الطبيعية أصبحت هي ايضاً من ضمن التحديات ومن ضمن العوامل المساعدة على تغيير العالم ورسم خرائط جديدة له.
فضلا عن الاحداث السياسية والاقتصادية التي حدثت والتي حيرت الفكر السياسي سواء منظرين وكتابا وباحثين، فما حدث في الولايات المتحدة الاميركية من اقتحام مبنى الكابيتول الذي يعد واحداً من تداعيات الانتخابات الاميركية، واحتمالات تبدل السياسية الاميركية نحو العالم في مناطق معينة على اقل تقدير، واحتمالية حدوث جولات تنافس جديدة في مناطق جنوب شرق اسيا وبحر الصين الجنوبي فضلا عن الالتزامات القارية التي تقع على عاتق الصين وروسيا، إلى جانب حدوث تطورات على الساحة الاقتصادية والسياسية الأوروبية التي تحاول قواها الأساسية التخلص من الهيمنة الاميركية مروراً بالشرق الأوسط ونهوض القوى الاقليمية التي سوف تهدد بقضية تبديل الحليف وعملية إدارة الصراع في هذه المنطقة الخ.. من الاحداث التي ستطفو على الساحة العالمية التي كلها تنبئ بوجود تحولات سريعة قد تغير الخارطة العالمية بلحظات.