البيئة وقانون الإنجاب مسؤولية الفرد والدولة والمجتمع

آراء 2021/02/16
...

   د.سلامة الصالحي 

يتعرض كوكب الأرض الى محن كثيرة في هذا العصر منها التلوث البيئي والامراض الفيروسية المستجدة والوافدة ربما من كوكب اخر والاحتباس الحراري... والزيادة السكانية الهائلة بأعداد البشر التي بلغت سبعة مليارات انسان وهي في تزايد مستمر... وقد حدثت هذه الزيادة بسبب السيطرة على الامراض عن طريق اللقاحات والعلاجات التي أسهمت الثورة العلمية والصناعية في توفيرها للانسان...

 فضلا عن تحسن الوضع المعيشي للشعوب عبر اكتشافات البترول وغزو الفضاء وتطور الصناعات  كافة.. اسهمت بحالة من الرفاهية وزيادة أعداد البشر... وتطور العلم الى غزو الفضاء وبحث العلماء عن ملاذات جديدة للبشر وفك شفرات الوجود الغامض الذي نعيش فيه.. وتوسعت هذه المدارات وتطورت بنظام الهندسة الوراثية والبايولوجيا الجزيئية والاستنساخ الجيني... من أجل تطوير السلالة البشرية والتبشير بالانسان  الخارق الذي سيحقق أحلام أسلافه الغابرين. يجاور هذه الفتوحات في العلم إخفاقات بشرية كبيرة أسهمت في عدم الحفاظ على الكوكب من كوارث التلوث والاحتباس الحراري والغازات الخانقة... فالمصانع تعمل... والمناجم تعمل وتدجين وتكثير الحيوانات على قدم وساق لتلبية مطالب البشر الغذائية... والتي اجتمعت كلها في تصدير الغازات السامة لغلافنا الجوي وتوسيع ثقب طبقة الاوزون الذي يحمي الكوكب من الحرارة العالية التي تبعثها الشمس..... وثبت علميا ان زيادة اعداد المراعي والحيوانات أسهم ايضا في هذا الاحتباس عن طريق غاز الميثان ومخلفات الحيوانات والتي قامت دول واعية وحريصة كالدنمارك بتقليل اعداد الابقار مثلا.. للسبب المذكور اعلاه.. هذا الاستخدام الجائر لمصادر الطاقة، ومخزون الارض من المعادن، دعته الحاجة الملحة لتزايد أعداد البشر ومتطلباتهم المعيشية من وسائط نقل وغذاء ومصانع.. ولأن البشر يعيشون بدول ومجتمعات متناحرة ومتحاربة... فإنهم لايعون خطورة مايسببونه من أذى للارض وماعليها، فقد هتكوا عذريتها ولم يصونوا روعة هذا الكوكب الذي يبدو كنقطة زرقاء شاحبة في سديم الكون... انشغلوا بالتآمر على بعضهم البعض وشن الحروب والتنافس على الثروات وحيازة الرفاهية عن طريق الغزو والحروب العبثية من دون أن يفكروا في مبادئ السلم والحفاظ على بيتهم الكوني الكبير... الارض ... الارض التي منحتنا الحياة والوجود والاسئلة والجمال... ومن هنا تبرز أهمية وعي الانسان وثقافته في الحفاظ على الأم الاولى ورعايتها.. وكي لا أذهب بعيدا عن الموضوع الذي يتناول تحديد النسل وقانون الانجاب... فإن الارض وقلقي عليها يجب أن يشكل أهمية لدى الآخر وأن يعي ماحوله وماسيحدث لسلالته المقبلة... بعد أن عانت هذه السلالة من أسلاف قساة لايرحمون من سيأتي ... ولكي يعيش الانسان في هذه الارض يجب أن يكون حريصا على نفسه ومجتمعه سواء مجتمعه الصغير كدولة أو مجتمعه البشري ككوكب... ولأن الانسان خاض تجارب كثيرة وتوصل الى مالم يكن في عصور سابقة الا أضغاث احلام من حضارة فاقت كل تصور فيجب أن يحرص ويحافظ بجدية على هذا الانجاز العظيم مما توصل اليه العلم والمعرفة من خوارق غيرت حياة الانسانية الى الأبد.. ولكن يقابل كل هذا تزايد مرعب في أعداد البشر الذين ستكون الارض في محنة من توفير غذائهم ومتطلباتهم... فضلا عن أن البشر قد خضعوا لقرون طويلة الى قوانين 
اجتماعية.
قد لاتواكب الحياة المعاصرة وقوانينها ومنها قوانين الزواج وتشريعاته الدينية وبالاخص الزواج بأكثر من امراة وغيرها.. 
وكمجتمع عراقي وهذا مايعنيني على المستوى الشخصي.. أجد أننا قد اهملنا جوانب كثيرة في حياتنا.. فالصين التي استيقظت على هذا العدد الهائل الذي يحتاج الى الخبز وضعت قوانينها الصارمة وخطتها في تحديد النسل والانجاب والزواج... واوروبا تفرض على مدنها أن لاتزيد أعداد البشر عن ماهو مقرر لها منذ كذا عقد... فعلى سبيل المثال مدينة براغ في السبعينات عدد سكانها كان مليون نسمة ولايزال مليونا... في بلادنا أرى ان موضوع التزايد في أعداد المواليد لايخضع لأي خطة من قبل الدولة التي تقع عليها المسؤولية الكبرى في وضع ستراتيجية للإنجاب... وعدم ترك الامر سائبا من دون أن يكون هما وطنيا يجب أن يشترك به الجميع... وأولها وزارة الصحة كمؤسسة تقع عليها الجوانب البايولوجية والدوائية... والارشاد الصحي المجتمعي فضلا عن الاعلام ومؤسسات المجتمع المدني التي تقع عليها مسؤولية توعية الناس وارشادهم الى طريق الصواب وعدم الافراط في الانجاب ورمي ابنائهم في نواصي الطرق وتقاطعات الشوارع ...لان الاسرة التي تنجب الكثير ستعاني من عواقب المعيشة وتوفير حياة حرة كريمة لأفرادها... مما يسهل على أولادها بعد أن تتوفر لهم كل وسائل البؤس من سكن ضيق وشارع بائس ومدينة بائسة على أن ينزلق في متاهات وانحرافات تكون وبالا على أسرته ومجتمعه... فالأب الذي لديه من الاطفال واحد او اثنان ويكدح طول النهار سوف لن يتعب كثيرا مقارنة بمن لديه خمسة أو اكثر ... ففضلا عن ضنك العيش فإن مخاطر الانجاب المفرط كثيرة على الصحة والحياة... وخصوصا عندما يتقدم العمر بالام او الاب فستأخذ هموم المعيشة وقلقها من صحتهم كثيرا وسيكونون عرضة للإصابة بأمراض العصر الخطيرة... بسبب تراكمات الازمات النفسية والصحية وبؤس المعيشة.. التي اثقلت كواهلهم التي سيرى الاب والام أنفسهم في مأزق مما يضطر الاولاد الى ترك مدارسهم والالتحاق بالشارع كمتسولين بعدة طرق ... وهذا التسول سيجر الى انحرافات أخرى بدأت بهدر الكرامة وتنتهي بالثأر لها عبر الجريمة او تبني سلوكيات إجرامية... كاللجوء للمخدرات وتعاطيها او المتاجرة بها وحتى الانحطاط الى مستوى المتاجرة بالجسد او البشر او حتى الانخراط في مجالات لاتخدم المجتمع، وسيكونون لقمة سائغة بيد من لديه أهداف سياسية أو إجرامية. من هنا تبرز أهمية نشر الوعي الصحي في ضرورة تحديد النسل ووضع قانون يطبق بصرامة للحد من الانجاب المفرط... لان بيئة العراق الحارة وتطرف المناخ لاتساعد كثيرا في انتاج فرد فاعل ومنتج إن لم يحظ بالرعاية وتطوير المهارات والمواهب وبنائه بناءً صحيحا من قبل الاسرة والدولة... وعدم تحميل دولة عانت من حرب تلتها حرب فوق طاقاتها... بضخ المزيد من الافراد العاطلين والبيوت التي بحاجة الى 
معيل... 
فالقضاء والمؤسسات التشريعية مسؤولة مسؤولية كبرى بتحديد سن الزواج لما بعد الواحد وعشرين وعدم السماح نهائيا بزواج القصر او الزواج المتكرر ووضع شروط صارمة للزواج منها توفر مصدر العيش والسكن. فضلا عن أن تمسك الدولة بيد المجتمع على تحديد نسله بجميع الطرق الصحية والاجتماعية وتوعية الناس دائما بهذه الضرورة المهمة لحياة مرفهة وكريمة وفرد فاعل ومتطور يواكب عصر العلم والمعرفة الذي نأى العراق عنه بسبب أوضاعه التي بدأت بالدكتاتورية والحروب وانتهت بفساد اداري ومالي شرعنته قوانين أحزاب وكتل لم تضع الله والضمير في وجدانها... فصار الوطن ومن به ضحية جماعية لسوء التخطيط وادارة ملفات التنمية. من هنا تنطلق اهمية بناء الدولة والمجتمع على كل الاصعدة... فالاسرة الواعية التي تهتم بتربية ابنائها... وتعليمهم ورعايتهم تقدم للبلاد والمجتمع افرادا نافعين يسهمون في بنائه وتطويره...عكس الأسرة التي تتحول الى مصنع للتناسل وتكثير الابناء ورميهم في الشارع والتباكي من شظف العيش وصعوبة الحياة... وعدم المقدرة على تلبية متطلبات العيش ورمي السبب في راس الدولة التي ستكون غائبة تماما عن هذا الجانب وستعاني من ابتلاء جديد بتوفير مدارس اكثر ومستشفيات اكثر وغذاء اكثر ومدن اوسع ... في حين ان مسؤولية البؤس تقع بالدرجة الاولى على رب الأسرة عندما لاتكون هناك خطة للحياة والمستقبل بتوفير معيشة كريمة واسس صحيحة لحياة الابناء... صحيح ان البلاد غنية بالموارد... ولكن الغنى الحقيقي للشعوب والامم هو بثروة العمل وانتاجية الفرد... والعمل والفرد المنتج تنتجه المجتمعات الواعية التي حرصت على ان تنتج أبناء نافعين يحترمون مبدأ العمل والابتكار... فالأسرة القليلة الابناء بالتأكيد ستتطور أكثر من الأسرة المتضخمة والمتفرعة... بالزواجات الارتجالية  والانجاب
العشوائي.