فانوس فلسفي عن الميتافيزيقا

آراء 2021/02/17
...

 د. علي المرهج
تقسم الفلسفة إلى علوم نظرية وأخرى عملية، والنظرية هي: الطبيعيات، والالهيات عرفت الفلسفة بأنها علم الوجود بما هو وجود، أو علم العلل، وعرفها ابن رشد بأنها «علم الموجودات من جهة دلالتها على الصانع»، والميتافيزيقا أو علم ما بعد الطبيعة هو الاسم المرادف لعلم الالهيات
وهو في أصله فهم للوجود بقصد معرفة علته أو الموجد لهذا الوجود، فسُميّ بـ «الفلسفة الأولى» لأنه يهتم بمعرفة علة الوجود الأولى، فعلم الوجود هو «الأنطولوجيا» الذي يشتغل الفلاسفة فيه على معرفة وجودهم كبشر ووجود العالم المحيط بهم، جماد وكائنات حية، وعلاقتهم بهذا الوجود، وعلاقتهم بعلّة هذا الوجود أو «العلة الأولى» أو «الفلسفة الأولى» كما ذكر ذلك ديكارت، وقد سبقه الكندي في رسالته للمعتصم بعنوان «الفلسفة الأولى».
لا أخوض في مباحث الميتافيزيقا، والأقسام التي تتداخل معها مثل: الأكسيولوجيا، أو دراسة النفس البشرية وتقسيماتها عند الفلاسفة القدماء، يونانيين وفلاسفة العصور الوسطى: مسلمين ومسيحيين.
وهناك قسم آخر منها يتعلق بـ «الكوسمولوجيا» أو علم الأجرام السماوية، وقل إنه علم الكون أو الأكوان.
أما أهم مباحث الميتافيزيقا أو علم ما بعد الطبيعة أو علم ما وراء الطبيعة، وقل الإلهيات كما أطلق عليه الفلاسفة المسلمون، فهو مبحث في الفلسفة يتداخل مع علم اللاهوت المسيحي وعلم الكلام الإسلامي من جهة الاشتراك في الموضوعات، فهو علم يبحث في الوجود الإلهي وأدلة وجود الله، وصفات الله. نشأت الفلسفة في بدايتها بوصفها علماً يهتم بدراسة الوجود بمقدار الكشف عن علّته أو سببه، وهل هذه العلّة واحد أم مُتعددة، وفي هذا الحال يكون الانتقال من الوجود إلى علّته أمر يقتضيه البحث في الوجود، فلا معنى للبحث عن وجودنا ووجود الأشياء، من دون السعي لمعرفة سبب هذا الوجود، لذلك يكون البحث في «الطبيعيات» أو «الوجود» يستلزم البحث في «ما بعد الطبيعة» أو علّة الوجود.
في عالم الوجود يكون الإنسان هو ممثل هذا الوجود الأرقى للتساؤل عن أصل الوجود وسعيه الحميم لمعرفة أصله الذي هو من ثم يكشف عن أصل الموجودات الطبيعية الأخرى.
اِبحث في ذاتك لتكتشف أن «الميتافيزيقا» أو «ما وراء الطبيعة» أمر لازب لمعرفة وجودك، فهي ليست وهماً كما يُصورها بعض النُقّاد الماديين الملتصقين بالوجود خارج المعنى الحيوي الذي تعتم به النفس البشرية.
ما زال علماء «الكوسمولوجيا» التي هي ـ كما ذكرنا ـ جزءاً لا يتجزأ من الميتافيزيقا يطرحون فرضية وجود عوالم أخرى غير عالمنا، وهذا الفرض ليس من عوالم المثال، بل من عوالم الواقع الذي يؤيده العلم بأن هناك أجراماً وأكوانًا أخرى يمكن أن تكون موجودة لم نمتكن نحن البشر من معرفتها، فهي، إذن، ليست عوالم خرافية، بل بحسب النظريات العلمية لها وجود.
لك أن تقف عند حدود العالم الذي أنت فيه وتفترضه أنه هو الواقع، ولكنك لن تستطيع أن تقول إنه هو الحقيقة، لأن طريق الحقيقة مرهون بتطور البحث العلمي الذي ما زال في بدايته، بل وما زال العلماء يكشفون لنا عوالم جديدة، قد تلتقي مع الدين، أو ـ ربما ـ ستجعل منه خرافة. ذكر ديكارت في كتابه «مبادئ الفلسفة» بأن الفلسفة أشبه بشجرة جذورها «الميتافيزيقا» = ما بعد الطبيعة، وجذوعها «الفيزيقا» أو الطبيعة = الوجود، أما الفرروع التي تخرج منها فثمارها العلم. حاول كانط أن يحل مشكل الميتافيزيقا بالنظر لأهميتها في المجال العملي، لما لها من أهمية في ما أسماه «الواجب الأخلاقي» الذي نستشعره حسيًا، ليجعل من هذا «الواجب» معيارًا أخلاقيًا لمعنى العدالة والقبول بوجودها عمليًا؟.
 
اكاديمي عراقي