لا شك ان التاريخ و الموروث الأثري لهما دور في تنمية وبناء الهوية الوطنية لدى النشء، و عندما نتحدث عن الموروث الثقافي لأمة ما نقصد(اللغات والتاريخ المشترك والآثار والأساطير واللباس والحلي والأكل) و هو بطبيعة الحال له روافد من الحضارات ، ومن ثمَّ هي في مجموعها فسيفساء تميز العراق عن غيره وتعطيه شخصيته المميزة و هو ما يعرف بالهوية الوطنية
وتشكيل الهوية يحتاج حركة ثقافية يقودها المثقفون و الأدباء و الرسامون والفلاسفة وعلماء الآثار والمؤرخون، من أجل تشكيل الوعي بالهوية لدى المواطن وهي كذلك يجب أن تكون منفتحة على العالم، وهنا يأتي دور الأكاديمي أن يحمل قدراً من التحيز العقلاني لصالح الهوية ويعترض لكل محاولة تسهم في تخريبها او المساس بها، سررت جدًا بالاطلاع على كتاب الباحث صباح محسن كاظم الموسوم بـ( العلامة التراثية في الأزياء
السومرية)،
الذي حمل بين دفتيه ثمانية أبواب، اختزلت دونما ابتسار الموروث الثقافي الرائع للعراق، وقد لفت انتباهي تركيز الكاتب على الموروث اللا مادي، متمثلاً في الأزياء السومرية، استطاع من خلاله تقديم إضاءات عن حضارة العراق القديم، فالموروث (المادي - اللامادي ) ذاكرة جماعية يُعبّد لنا الطريق بالحقائق الثابتة لكتابة تاريخنا بموضوعية وتأكيد لدورنا في الحضارة الإنسانية، لأن استقرار وعزّة أي وطن يعتمدان اساسًا على مدى وعيه وتثقيفه واعتزازه بهويته الوطنية:(أي ثقافة الماضي والحاضر)التي تجمع مكوناته المختلفة، ومن خلال ذلك تترسخ الهوية الوطنية وهي مجموعة من القصص والحكايا، يمكن اعتبارها نوعا من (الكذب النبيل )، كما شرحها افلاطون في جمهوريته، نسعى من خلالها لخلق شعور بالوئام الوطني، من أجل أن نتجاوز الاختلافات والتشظي ونتعايش كمجتمع متناغم في إطار قانوني اسمه الدولة.
دلالات تاريخيَّة
وهنا أتمنى أن يستثمر هذا الموروث بشكل فعلي من خلال تجسيد بعض المعالم للحضارة العراقية، سواء من خلال صور ولوحات تحمل أيقونات لها دلالات تاريخية، مثل نحت تماثيل صغيرة لشخصيات تاريخية مهمة أسهمت في بناء حضارة العراق قديمًا، أو عبر بناء متاحف تجسد أهم معالمه الحضارية.. إلخ، ساعتها سوف نخرج من نفق صناعة التأريخ بالاقتتال إلى صناعة التاريخ بالإبداع والحضور الإنساني.. ففي التفاصيل تكمن الهوية، وتحت غبار الماضي يرقد الحل!.