سرى آل جواد *
نسمع ونقرأ بين الآونة والأخرى عن تزايد مقلق في حالات الانتحار، في خضم وضع اقتصادي واجتماعي، يجعل الباحثين أمام سؤال الانتحار، الذي تزايدت حالاته بصورة ملفتة، بالشكل الذي أصبح مؤثرًا بشكل كبير على مصير النظام المجتمعي عامة والأسري خاصةً.
وفي محاولة الوقوف على أسبابها، يجد الدارسون أن ثمة ارتباطا كبيرًا بين هذه الظاهرة والظروف المعيشية الصعبة، التي تعيشها الشخصية المنتحرة، يرافقها طغيان العادات والتقاليد المجتمعية،التي أسهمت في تفاقمها.
وتشير البيانات إلى أن عدد حالات الانتحار المبلغ عنها في 2019 أعلى من تلك المسجلة في عام 2018 بـ (519 حالة)، وعام 2017 (422 حالة)، ولعل جائحة كورونا وما رافقتها من تداعيات على المستوى الاقتصادي والصحي وما خلفته من مشكلات على مستوى الأسرة زاد من وتيرة تصاعد الحالات عام 2020.
والتي بلغت في عموم العراق (375) حالة، لكنه وبخلاف ما أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية، يشير إلى أن نسبة المنتحرين من الذكور هم الأعلى بواقع (168)، بينما كان العدد (153) من الإناث و(7) بين الأحداث.
وأظهرت إحصائية حكومية ارتفاع حالات الانتحار من 319، في عام 2003، باستثناء "إقليم كُردستان العراق"، إلى 519 في عام 2019.
وهذا التقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية تظهر وغير رسمية في العراق تشير إلى أنّ هذا التزايد بحالات الانتحار، لا سيما في السنوات الأخيرة تحوّل من كونه ممارسات فردية إلى ظاهرة مجتمعية، تدعونا لقراءة السياقات والظروف التي تؤدي إليها.
ففي اللحظة التي يعيش فيها الفرد حالة من اللا جدوى، بفعل عادات اجتماعية قاهرة، يفشل في مواجهة ضغوطها تجده يلجأ إلى إنهاء حياته بصمت.
ومع هذه الكثرة في حالات الانتحار نجد أن بعضها يحدث بصمت، ومنها قد تكون مدونة في السجلات الرسمية، وتعرض من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل، لكن هناك الكثير من الحالات، التي تسجل ولا يعلن عنها بطلب من ذويهم باعتبار أنها تمثل إهانة لسمعة ذوي المنتحر/ المنتحرة.
وفي محاولة البحث في الأسباب نجد أن من أهم العوامل التي تدفع الفرد لإنهاء حياته تتمثل بالضغوط التي تمارسها الأسرة، تحت مسمى الخطوط الحمر، التي يجب ألا يتجاوزها أفرادها، بحجة العرف العشائري والديني، كما ان ضعف الحالة المعاشية للأسرة تشعر أفرادها بالإحباط . حينها لا يجد الفرد طريقًا للخلاص سوى
الانتحار.
فضلا عن أسباب أخرى تتجلّى في حالات الاكتئاب وفقدان الأمل والصعوبات الاقتصادية والمشكلات الأسرية والبطالة والمخدرات، والفشل الدراسي والضغوطات الاجتماعية، والاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي، ذلك أن أغلب هذه المسببات تم تاشيرها لدى الأسر الفقيرة.
وبحسب التقارير التي تتحدث عن نسب عمليات الانتحار نجد أن الضغوط الأسرية والاجتماعية أهم أسباب حالات الانتحار لدى الفتيات، بينما أشارت إلى تلك التقارير إلى وجود حالات قتل بحق نساء تُغطى بعباءة الانتحار.
إن تغوّل هذه الظاهرة يجعل الجهات الرسمية ذات العلاقة والأسرة العراقية أمام اختبار صعب، وهي مدعوة إلى تقسيم الأدوار و الوقوف كثيراً عندها لإيجاد الحلول المناسبة لها؟! ألم يحن الوقت لتدشين أساليب أكثر فعالية لمواجهة هذه الظاهرة؟ من طريق تفعيل آليات الإنذار المبكر، وستراتيجيات التنسيق المشترك، بغية مواجهتها والحدّ منها؛ لأنه يستحيل التصدي الفردي لها، مهما بلغت الإمكانيات، وإنما تتطلب تعاونًا بين السلطات المحلية والأسر العراقية، ووسائل الاعلام، وتفعيل الخطاب الديني المواكب للحياة والذي يقف على هموم الناس.
وعليه يجب على المؤسسات الحكومية وضع البرامج الخاصة وإنشاء مراكز تأهيل لإنقاذ الشباب والنساء مما يحيط بهم، وذلك من خلال معاهد متخصصة تحت إشراف مختصين من أطباء نفسيين، ومدربين اجتماعيين يقدمون رؤاهم التي يمكن أن تواجه التحديات المستقبلية، لا سيما في المرحلة التي تسبق الشروع بالزواج وتكوين الأسرة.