شمخي جبر
يرى المهتمون والباحثون في موضوعة ومفهوم الهوية، أنها التميز للفرد والمجتمع والمشتركات المكونة لهما والعلامات الفارقة لهذا الشعب، بالرغم من تنوعه وما تمخض من سمات مشتركة له عبر التاريخ المشترك.
والمجتمع يمنح هذه الهوية للفرد فهي تضافر وتناغم بين الفرد والمجتمع، فلا يستطيع الفرد ان يشكل نشازا على هذا الكل الجامع.
اذ يشير مايك كرانغ الى أن (كثيرا ما تتشكل الهويات عن طريق معتقدات الأسلاف المشتركين او عن طريق التجربة، ويكون ذلك باعثا على مميزات او سمات مشتركة) بينما يؤكد عالم الاجتماع (انتوني غدنز) (تشير الهوية الى منظومة التفاهمات في ما بين مجموعة من البشر حول
ماهيتهم.
والمعاني الكبرى ذات الدلالة بالنسبة إليهم، فالارض هوية واللغة هوية والديموغرافية السكانية هوية والدين هوية والتاريخ هوية، ومن ثمّ تنصهر جميع هذه المفردات في بوتقة الوطنية والتاريخ المشترك لتشكل هوية الوطن والدولة.لكن ظلت هوية الدولة العراقية تتجاذبها التوجهات السياسية الداخلية والخارجية (جدل الداخل والخارج)، اذ بقيت تحت ظل مجمل هذه المؤثرات لم تستقر، وانسحب هذا على المجتمع، الذي عانى التشتت في ظل التنوع الديني والقومي والطائفي، الذي افتقد للواصق الوطنية، التي توحده أسيرا لتوجهات الأحزاب وقياداتها وأجنداتها الأيديولوجية.
وكانت للتغييرات السياسية السريعة التي حدثت منذ تأسيس الدولة العراقية (احتلالات، ثورات، انقلابات) آثارها في عدم رسوخ واستقرار هوية
للدولة.
وقد أشار الى هذا المأزق الملك (فيصل الاول) في مذكراته، التي اشار لها عبد الرزاق الحسني (أقول وقلبي ملآن أسى، أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية.. الخ)، فلم يستطع الشعب ان يصنع دولة ولم تستطع الدولة أن تصنع شعبا موحدا.
بقيَّ تشكيل الهوية للدولة والمجتمع متذبذا تبعا لمتبنيات وتوجهات الحاكمين (الناس على دين ملوكهم) فكان الحلم القومي، الذي تخلى عن الوطنية العراقية في الزمن القومي قد تجاهل الهوية العراقية ولم يعمل على لملمتها، بل عدها حالة طارئة يجب ان تذوب وسط الكل القومي(العربي).
ولم يكن واقع ما بعد التغيير(2003 ) افضل من هذا، اذ كانت الاحزاب الطائفية تعمل على التفرقة والتمييز وفق أيديولوجيتها ولا تهمها هوية الشعب وهوية الدولة، اذ إن حلمها اخر عابر للوطنية مرتبط بالتاريخ والأيديولوجيا الاممية.
انعكس كل ماجرى على شخصية الفرد والمجتمع بوصفهما مخرجات برامج الدولة ومخططاتها، وناتج لما تمارسه من تنمية بشرية وتنشئة اجتماعية وسياسية.
حتى المفقس الكبير للقيم وتشكيلها ومصنع العقول والمخيلة والذاكرة وهو المؤسسة التربية لم تكن بمنأى عن هذا التشويه، الذي مارسته الدولة ومؤسساتها ومناهجها التربوية والتعليمية .