عافية العراق خيارات ورهانات

آراء 2021/03/14
...

 محمد خضير سلطان
 
أصدر المجلس الاطلسي - مؤسسة أميركية حول الاستقلالية الفكرية- تقريره الجديد «العراق.. خارطة طريق للتعافي» بالتنسيق مع مؤسسة كونراد اديناور ودعم من معهد دي تي، والتقرير في خريطة التعافي للعراق التي يقدمها، يعبر عن خلاصة جولات عديدة من حوارات النخب الثقافية والفكرية الأميركية والأوروبية والعربية والعراقية التي انطلقت في برلين في آذار من العام 2020، واستمرت في أماكن مختلفة لغاية كانون الأول من السنة نفسها.

يلاحظ، أن الجولة الأخيرة من الحوارات قد تزامنت مع تولي رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي حكومته في آيار الماضي، بينما واجهت البلاد جملة من التحديات المضافة والمتراتبة، عندما أضيف تحدي وباء كورونا وانخفاض أسعار النفط والنظر في آثار البنية الأساسية الصحية الهشة الى الوضع الأمني الصعب والاحتجاجات الواسعة في حينها.
يحدد التقرير، الذي كتبه د.س أنتوني فاف، تحديات أربعة، سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، تواجه البلاد في الوقت الراهن ويتطلّع الى امكانية رسم خريطة طريق للتعافي على مدى المستقبل القريب، وأوصى المحاورون بتحسين كفاءة الخدمات المدنية وبناء لامركزية حكومية بين المركز والمحافظات، وتطوير قدرات الحوكمة الألكترونية وتسهيل اندماج بعض القوى المسلحة غير الرسمية -الميليشيات- في مؤسسات الدولة، وإعادة رسم صورة محدّثة للشركاء الدوليين في ظل عدد من المتغيرات السياسية الجديدة. 
ومن الواضح، أن التقرير في صيغته الخطابية النهائية التي أصدرها المجلس الأطلسي، توسم شكلاً من اتخاذ أسلوبية حيادية، تحاول أن تنأى عن الوصاية وفرض الحلول والأحكام في حين لا تستبعد تغيير مواقع الخطاب محلياً أو خارجياً، فهو أي التقرير، يتحدث باسم النخب الفكرية الدولية عند تناول المسائل الخارجية للعراق، وحين يستغرق الحديث عن المسائل الداخلية، فهو يسجل وجوداً لنخب متنوعة، تشكّل المبادرة للنخب العراقية داخل المجلس الأطلسي جزءاً منه.
وفي هذا السياق، لم يغب فيه عن أنظار المحاورين، بأن هيئات الدولة في البلاد معززة مسبقاً بالصفة السيادية المطلقة التي لا تجعل من التوصيات، شيئاً نافراً خارج المنظومة الشرعية لإدارة الحكم في العراق، وإنما هي خريطة طريق، واضحة المعالم، توضع أمام أنظار الإدارة الراهنة ذاتها بكل انقساماتها الآنية المعروفة وطبيعة نظامها السياسي وهيكله الدستوري الحالي وما يُتوقع من كل ذلك.
ومن جانب آخر، يضطلع التقرير بمهام إبراز الصورة الكلية التي ربما لا يراها المنقسمون جلية، ويجمّع بؤرة لزوايا النظر، قد تخفى قليلاً على مشروع بناء الوحدة السياسية المتكاملة لدى الفاعلين الحقيقيين من مواقع مكوناتهم وتركيباتهم الأثنية والطائفية، إنها محاولة لفك التعالق بين السلوكين السياسي والثقافي وإعادة تشكيله بين الثقافة والبناء السياسي مثلما بين السياسة والبناء الثقافي.
إذن .. يرسم المحاورون الدوليون معالم خريطة التعافي العراقي من خلال الوقائع وإذا جاز التعبير بأنها جغرافيا الوقائع التي تحدد موقع البلاد من الآخرين، ومحاولة إحراز درجة نسبية من الاستقرار والنمو والازدهار الاقتصادي.
لم يؤكد التقرير تحدياته الأربعة حسب، بل نظر في أكثر من إتجاه ديمغرافي ومستقبلي وسلوكي، فالاتجاه الديمغرافي ما تثبته الإحصاءات والبيانات العامة بأن نسبة الشباب دون الخامسة والعشرين هي 60 % من الشعب العراقي، وهذه الفئة الهائلة في معظمها جزء من حركة التشرينيين، وتعاني من ندرة فرص العمل وانخفاض الدخل، بينما يتيح الاتجاه المستقبلي في ظل الاحتجاجات المستمرة وتطوير قانون انتخابي جديد، في إنشاء وخلق متغيرات ضغط لصالح الشباب وظهور مواءمة على نحو معين لأدوار سياسية ومجتمعية، تحاول النزوع خارج البناء الفئوي والجهوي، أما الاتجاه السلوكي فهو قدرة الأطراف السياسية والاجتماعية على تخطي التحديات والمشكلات، وكفاءتها في الحيلولة من دون التصادم وتجنب الاقتتال الأهلي؛ لذا أوصى التقرير بالتوازن بين السلطات، ليس على حساب ضبط المسافات فقط واقتسام الصلاحيات في ما بينها وتعويق بعضها البعض كما هو سائد الآن، وإنما تشخيص وتحديد القرارات التنفيذية والتشريعية والقضائية المتكاملة، وقد اقترح تقرير الاطلسي على الطبقة السياسية الراهنة مثلاً إبداء التعاون والتفهم أكثر من المنافسة والتحالفات الانتخابية، والنظر الى الأفق السياسي أفضل من السير المتعثر وتقليل الأثمان أنجى من خوض 
المجاهيل.
إن جغرافيا الوقائع التي يطرحها تقرير خبراء الاطلسي، هي الإطار المعرفي الباحث عن صورة الخطاب الانتقالي السياسي والمدني الذي يفك الاشتباك بين الثقافة والسياسة، بمعنى أن تقوم السياسة على قاعدة ثقافية مجتمعية شاملة، وليس في التوازي معها.