نهى الصراف
قبل يومين، طالعت في صحيفة خبراً يتعلق بالعمل من المنزل وهو يعدُّ، بحسب توصيات اللجان الصحيَّة في بعض دول العالم، كأحد أهم الإجراءات الاحترازيَّة للحد من انتشار عدوى فيروس كورونا. كان الخبر مرفقاً بصورة لموظفة في شركة عقاريَّة تجلس متربعة في سريرها بملابس منزليَّة واسعة ومريحة وتضع كمبيوترها المحمول على وسادة مرتفعة أمامها، ويظهر كوب كبير من القهوة إلى جانب عبوة تحضير القهوة مع علب صغيرة للسكر والحليب موضوعة إلى طاولة إلى جانب السرير.
هذه هي الصورة المتداولة بكثرة في المنازل بعد مرور أكثر من عام على زمن الوباء، التي تروّج لظاهرة العمل من المنزل والاكتفاء بالتطلع إلى مستقبلٍ مجهولٍ من نافذة مشوشة لا تنقل صورة واضحة للمعالم التي سيبدو عليها الشارع، عندما يبدأ الناس بمفارقة عزلتهم إلى شمس الحرية الوشيكة كما تعد بذلك تكهنات علماء الأوبئة وترجيحات أهل السياسة.
كانت نصيحة العمل من المنزل – لمن استطاع إليه سبيلاً- إجراءً مؤقتاً ابتدعه أصحاب الأعمال حتى تمر الأزمة بسلام، لكنَّ الأزمة طالت وكان فيها القليل من السلام وراحة البال حتى لمن عزل نفسه عن العالم الخارجي بجدار من حيطة وخوف. لكن، يبدو أنَّ الناس قد اعتادوا حياتهم المنزلية الجديدة، مثل ما يحدث دائماً؛ تنزل المحن والمصائب على حياة البشر في أولها كالمطر المحمول بالحجارة المدببة وسرعان ما تخبو وطأتها بعد أنْ تصبح جزءاً من الأحمال النفسية المعتادة، لتمضي الأيام بعد أن تعدّل من وضع مشيتها.. بطيئة متلكئة في البداية، ثم تحث خطاها مسرعة وكأنَّ شيئاً لم يكن.
في قراءة لبيانات دول كثيرة في العالم، لعددٍ من الوظائف والصناعات المختلفة حول إمكانية العمل مستقبلاً من المنزل بعد انتهاء جائحة كورونا، أشارت النتائج إلى إمكانية حدوث الأمر في عددٍ كبيرٍ من الوظائف عبر قطاعات عملٍ مختلفة. في الوقت الذي اتجه عددٌ لا بأس فيه من شركات التقنية حول العالم على غرار «مايكروسوفت» و»آبل» إلى تفعيل خيار العمل من المنزل لضمان استمرار أعمالهم في زمن كورونا.
يقتنع الكثيرون بأنَّ للعمل من المنزل – خاصة للأمهات- فوائد لا تحصى، فهي إضافة لاختصار الوقت بالتحضير للخروج من المنزل وتجنب صداع المواصلات وضيق الوقت، فإنَّ التمتع بالكسل اللذيذ والعمل بملابس المنزل أمرٌ يجده البعض رائعاً بل ومبتكراً فالوقت عندها لن يكون سيفاً مسلطاً على رقاب الناس بل عبداً طوع خدمتهم!
لكنها مثل بقية العادات السيئة التي تخلقها ظروفٌ غير طبيعيَّة، سيلزمها وقتٌ طويلٌ لتخلع كل أرديتها الفضفاضة التي لا تتناسب ومقاسات جميع البشر. ترى كم من الوقت نحتاجه لننزع عنا رداء الكسل والاتكال هذا؟ وكم محاولة للقفز على حبل الوقت المطاطي ستنجح بأقل الخسائر؟ وهل سيكون لأوقات الفراغ التي ظهرت على غفلة من الجميع ولم يسعنا الوقت لتحويلها إلى فائدة محسوبة نهاية مرضية، أم أنّ محاولاتنا بأنْ نحشوها بتفاهات الحياة اليوميَّة ستستمر حتى النهاية؟