لم يأخذ الشأن العراقي من حملة جو بايدن الرئاسية ما كان يتوقعه الخبراء. واقتصرت الحملة المنافسة لترامب على تعداد الأخطاء من دون أنْ يكون هناك حوارٌ شاملٌ لتقييم الأداء الأميركي في الساحة العسكريَّة التي تدخلت فيها واشنطن بشكلٍ مباشرٍ منذ العام
2003.
اليوم بدأت تتضح معالم منهج بايدن تجاه كل ما يتعلق ببغداد، وبالأخص عبر الجانب الاقتصادي. ويشخص التقرير الذي كتبه مجلس الأعمال العراقي الأميركي بالتعاون مع مؤسسة المجلس الاقتصادي الأميركي (مؤسسة شبه حكومية معنية بتقوية العلاقات الاقتصادية الأميركية مع بلدان العالم)، يشخص أربعة محاور أساسية يمكن أنْ تتعاون بها إدارة بايدن مع الحكومة العراقيَّة لأجل أنْ تضع أسساً طويلة الأمد ومؤثرة في هذه العلاقة.
النقطة الأولى التي يشير إليها التقرير هي؛ تأسيس حوار عراقي أميركي في جانب التعاون الطبي والرعاية الصحية ضمن القطاع الخاص. وعن هذا المجال يقول التقرير إنه إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنَّ جائحة كورونا قد اعادت رسم ملامح التعاون الطبي والرعاية الصحيَّة والشراكة في هذا المجال حول العالم، فإنَّ من الأولى أنْ يكون هذا المضمار مفتتحاً مهمًا للتعاون والشراكة بين بغداد وواشنطن. وبالعودة الى التركيز على مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها بين السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر، والجانب العراقي المعني بالرعاية الصحية وقطاع الصحة العامة، فإنَّ من المهم أنْ يجري تضمين التعاون الصحي بين العراق والولايات المتحدة ضمن الحوار الستراتيجي المستمر بين البلدين.
وهنا يجب أنْ يتصدر الحوار العراقي الأميركي في الجانب الصحي، قضايا مثل التبادل العلمي والتعاون بين الحكومتين، أو بين مؤسسات القطاع الخاص الصحية في العراق مع نظيراتها الأميركية. ويوصي التقرير إدارة بايدن بتسهيل مهمة خلق منصات تواصل ومشاركة بين الصناعات الدوائيَّة العراقيَّة القائمة وما جرى بالفعل في الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الجائحة.
النقطة الثانية في التقرير تشير على إدارة بايدن أنْ تضع في أولوياتها التعاون مع العراق في عملية جمع الغاز المصاحب للاستخراج النفطي، فضلاً عن المشاركة الأميركية في عمليات تطوير البنى التحتيَّة لصناعة الغاز في العراق.
ووفقاً لتقارير البنك الدولي عن العراق، فإنَّ ضياعات الغاز المصاحب تكلف العراق ما يقرب من 2.5 مليار دولار سنوياً. وهي تأتي على شكل عائدات ممكنة أو تحل محل استيرادات خارجيَّة لهذه المادة الحيويَّة.
وفي المقابل، فإنَّ استثمار الغاز العراقي يمكن أنْ يبث الازدهار في المشاريع التي تستغله وتستعمله وكذلك في الصناعات التحويليَّة المتعلقة بالغاز. وهذا ما سيكون مثمراً وذا انعكاس واضح على مسألة خلق وظائف جديدة توفر للسوق العراقيَّة فرصة لامتصاص البطالة. وإنَّ الانعكاس الإيجابي على هذا التعاون لن يقتصر على مجال الغاز في عائداته، إنما سيلقي بظلاله على الصحة العامَّة والبيئة التي تسير نحو التحسن في العراق.
وهنا يتوجب على إدارة بايدن أنْ تدعو الى اجتماعٍ حثيثٍ للجنة التعاون والتنسيق العراقي الأميركي في مجال الطاقة، والتي تعرف بـ(Energy JCC)، وذلك لأجل استغلال الغاز والتوقف عن حرقه والمضي بالعراق ليكون مستقلًا في مجال الطاقة ومعتمدًا على نفسه. فضلًا عن إدخال العراق فعليًا في اتفاقية باريس للتغير المناخي عبر تقليل الانبعاث الغازي المتسبب من حرق الغاز المصاحب العراقي.
النقطة الثالثة في هذا المضمار، هي إسناد العراق في عملية إصلاح القطاع المالي. إنَّ هذا الأمر سيرفع من إمكانية الشراكة المالية بين القطاعات الخاصة العراقية والأميركيَّة. ويرى الخبراء أنَّ تقوية مساحة عمل المصارف الخاصة العراقية لأجل أنْ تأخذ حيزاً مهماً في الاقتصاد العراقي هو مفتاح الحل لأي تطوير وتأريض للتعاون المشترك.
النقطة الرابعة التي تلقاها بايدن كنصيحة بشأن العراق، هي عملية تشجيع المناطق الاقتصاديَّة المتخصصة، وجعلها أساساً لتحرك رؤوس الأموال التي ستسهم في خلق وظائف جديدة. ويشير التقرير الى ضرورة دعم خطوات حكومة الكاظمي في هذا المجال، والتي فضلت أنْ تبدأ بخطوات إصلاحيَّة ستكون ذات انعكاس جيد على المستوى البعيد.
وهنا نلاحظ أنَّ مجمل النصائح المعلنة لبايدن تجاه العراق تتمحور في الشأن الاقتصادي، أي أنَّ الرؤية العميقة للمشكلات العراقيَّة لا تنفك نهائياً عن وجود رؤية متكاملة تسمح بالإصلاح الاقتصادي وتمهيدًا لرفع المستوى المعاشي وتعزيز الرفاه في العراق بعد 18 عاماً على الغزو الأميركي وأربعة رؤساء تعاقبوا على البيت الأبيض.