عيد البرونايا عند الصابئة المندائيين رؤية أنثروبولوجية

آراء 2021/03/31
...

  د.يحيى حسين زامل
 
تستثمر الأنثروبولوجيا وفق رؤيتها الكلية أدواتها ووسائلها الأنثروبولوجية في تغطية الممارسات الطقسية والشعائرية لمختلف الأديان والإثنيات والثقافات المختلفة، سواء كانت في الشرق أو الغرب، لتعطي لنا تصوراً كاملا عما يجري في أرض هذه الطقوس والممارسات الثقافية، وفي زمان محدد بالذات، بصفته طقساً دورياً يعاد تكراره في كل عام، وعيد «البرونايا» أو «البنجه» اسمه الشعبي هو تطبيق متمايز لهذا الطقس الدوري الذي يدور مع السنة المندائية، والذي يوافق من السادس عشر من شهر آذار إلى الحادي والعشرين من كل عام. 

مورفولوجيا المكان 
في يوم 17/3/2018، وفي الساعة الحادية عشرة صباحاً توجهنا إلى منطقة «الجادرية»، إذ يقام هذا الطقس فيها من جانب الكرخ من مدينة بغداد، ويقع بالضبط على شاطئ نهر دجلة، لذلك تسمى بـ «أرض التعميد» أو «الشريعة»، لارتباط اكثر طقوس الديانة الصابئية وخطاباتها بالماء والنهر، لذلك فهم يقيمون معابدهم ومراكز طقوسهم قريباً منه. ويتكون المعبد أو ما يسموه بـ «أرض التعميد» أو «الشريعة» من عدة أماكن، وكل مكان له وظيفة ودور في الخطابات والطقوس الدينية المندائية، ولعل أهم ما في هذا المكان هو مكان طقس «الدرفش»، ومكان «الصباغة»، و»قماشي» وسيأتي تفصيل هذه الأمكنة لاحقاً. 
 
الصابئة.. الدلالة والأصل
وفي دلالة اسم «الصابئة»، فقد أُختلف بشكل كبير في أصل ومعنى لفظة «الصابئة» وجذرها، بشكل يؤدي الى التناقض بشكل غريب، والشائع أن تسمية الصابئة يعود إلى لفظة «صبأ» في اللغة العربية، وفي معجم الوسيط (صَبَأ: انتقل من شيءٍ إلى شيءٍ، ويقال: صبأَ الرجلُ: ترك ديِنَه ودَان بآخَر). ولكن الواقع الميداني يعطينا معنى آخر عن الأصل اللغوي الشائع، بحيث يُرجع رئيس الطائفة «الشيخ ستار الحلو»: في مقابلة معه (أن أصل تسميتها يرجع إلى جذر الفعل الآرامي «صبا» غطس أو ارتمس، أو تعمد في الماء، وكذلك لفظة «المندائي» هي من جذر الفعل الارامي «مندا» العلم والمعرفة، والبعض يفسر كلمة «صبأ» المهموزة تغير الدين، أو غيّر دينه، بينما هي في الحقيقة «صبا» من غير همزة، وفي القرآن الكريم، هناك كلمة «اقرأ» ، ونحن ليس لدينا الهمزة، ونقول : «اقرا» ، أي «علّم»).
وذهب «نولده كي» إلى أنها مشتقة من صب الماء، إشارة إلى اعتمادهم بالماء، لأنهم يتعمدون كالنصارى. وأكدت الأنثروبولوجية «الليدي دراور:» إنها مأخوذة من كلمة (صبا) المندائية، ومعناها الِارتماس، والاِغتسال بالماء الجاري». وعلى هذه المعطيات الميدانية يمكن تسميتهم (صَبّة)، وهو الشائع في «الثقافة العراقية». ويقولون في المجتمع العراقي «صَبّي» للذكر، و»صَبّية» للأنثى، و»صَبّة» للجماعة، من غير همزة، وهو لفظ صحيح من ناحية دلالة اللفظ والمعنى.
    وعن أصل الصابئة يرى الباحث (د.أنيس زهرون الصابري): أن الديانة المندائية، هي أول ديانة سماوية توحيدية دعت إلى الايمان بالحي العظيم وملائكته، ولقد أوصلت إلى النبي آدم الرجل الأول (آدم كابرا قدمايه) بعد أن خُلق وحلت فيه الحياة، ومن بعده كان «النبي شيث». ويقول أحد المخبرين: نحن أقدم ديانة على الارض، فآدم (ع) أول نبي، ثم النبي إبراهيم (ع) ثم النبي يحيى (ع)، ويبدأ تاريخنا من ولادة النبي يحيى (ع). وفي المعبد المندي، وزع أحد الحاضرين تقويماً دينياً، والذي يشير تاريخه، بحسب التقويم الديني الصابئي، الى العام (2052) وهو ما يقابل عام (2018) في التاريخ الميلادي.
 
طقس البرونايا .. أو البنجه
في عيد «البرونايا» أو «عيد الخليقة»، أو عيد «البنجه» (كلمة فارسية وتعني العدد خمسة، أو قبضة اليد)، كما يسمى بالشعبي عند الصابئة أنفسهم، يحتفل الصابئة في هذا المكان، ويقيمون عدة طقوس دينية ترتبط بحياتهم الدينية والاجتماعية، وهذا العيد يتكون من خمسة أيام، إذ يقيمون خلال هذه الايام الطقوس، ويتبادلون اللقاءات والتهاني في ما بينهم. وأصل تسمية «البرونايا» كما يقولون: «هي كلمة مندائية وتعني الخلق العلوي، أو خلق عوالم النور العليا، البعض يسميها البنجه (خمسة) هي بنجه اصلها (بنيه) يعني بنيان، خمسة ايام البنيان العالم العلوي».
ويقول أحد المخبرين (مقابلة مع الشيخ «عبد السلام جبار» أحد رجال الدين في الديانة المندائية): عيد «البرونايا» أي عيد الأيام الخمسة النورانية، وهو أحد الأعياد الأربعة السنوية في الديانة المندائية، ويعد من الاعياد المهمة لأنه تجرى فيه الطقوس الدينية الكبرى، مثل الصباغة للتطهير، وهو طقس مهم واساسي يجري قبل أي طقس ديني آخر، ويجري لطلب الرحمة والمغفرة للذنوب والخطايا، ويجري كذلك فيه تكريس المندي، أي البيت الديني من الطين والقصب وجذع النخيل، ويجري فيه كذلك طقس الأموات (قماشي)، وهو طقس خاص بالذين ماتوا بحوادث، فيعد لهم طقس الأموات بالإنابة عنهم، من خلال ملابس النور البيضاء، والطباشة في الماء، وضع «أكليل النور» على الرأس، وهو أكليل من غص شجرة الآس، وهناك طقس (زقدا بريخا) أي الصدقات المباركة، وهناك طقس (اللوفاني) وهو طقس تكريس لرجال الدين من رتبة إلى أخرى. 
ويتميز طقس عيد «البرونايا» في ذلك المكان بالأجواء الربيعية اللطيفة، المشبعة برائحة النهر والطين والقصب، لقربها من شريعة نهر دجلة، أو بالأصح لإشرافها على نهر دجلة بالضبط، وأنت في ذلك المكان تهب عليك نسائم مشبعة برائحة النهر، رائحة تحيلك إلى الجذور الأولى وإلى الإنسان الأول، والذي يوحي اليك أنك رجعت إلى بداية «الخلق الأول» حيث كل شيء بسيط وطبيعي، من حيث الملابس البيضاء القطنية، في فصالها وخياطتها، أو من حيث الأدوات والأواني الطينية على شكل قدور وصحون مصنوعة من الطين الحري...فقط اللون الابيض هو السائد، اللبس والنهر والسماء والبخور يتصاعد من طبق من الطين فوق جمرات ملتهبة، مع ترانيم وتلاوات بلغة (المندا)، اللغة التي يقول عنها أهلها أنها تعود إلى آدم وحواء وأول الخليقة. 
 
أرض التعميد .. الخطاب والتواصل 
يسمى هذا المكان بكل أقسامه بـ «أرض التعميد»، إذ يتعمد فيه الصابئة المندائيون في بعض الطقوس في النهر، لغفران الذنوب ولتكملة بعض الطقوس الأخرى، كطقوس الزواج وغيرها، وهو نقطة «اتصال» بالخالق، و»تواصل» مع المخلوق في مكان مخصوص كفعل طقسي له وظيفة وهدف وغاية. 
وينقسم رجال الدين الذين يقومون بطقوس التعميد والزواج ومختلف الخطابات الدينية إلى عدة رتب دينية، يأتي بالدرجة الأولى «الربّي» وهو للنبي يحيى، وفي الدرجة الثانية «الريش أمه»، وفي الدرجة الثالثة «الكَنزربا»، ثم الدرجة الرابعة «الترميذا»، وفي هذه الرتب الدينية يتدرج رجل الدين فيها من الترميذا، إلى «الريش أمه» ويقف؛ لأن رتبة «الربّي» رتبة خاصة بالأنبياء، وخاصة نبي الصابئة، النبي «يحيى بن زكريا» عليه السلام. 
ومن الملاحظة بالمشاركة ينقسم المكان إلى قسمين: علوي وسفلي، إذ يقومون في القسم العلوي بطقس «الدرفش» وهو قراءة وترتيل ما قبل التعميد (التهيئة)، ويقومون في القسم السفلي على شريعة النهر بـ «التعميد» أو ما يسمونه بالصباغة أو الاصطباغ، حيث يقفون في الماء مع بعض التراتيل وصب الماء عليهم.. وقد يرمز هذا الطقس لنزول وهبوط «آدم وحواء» عليهما السلام، من الجنة إلى الأرض، حيث يقومون بطقس «الدرفش» في المكان العالي بالتهيئة، ثم يهبطون إلى طقس التعميد في المكان السفلي بجانب النهر. 
 
الخطاب والأداء في طقس الدرفش 
أمام مقر الشيخ رئيس الطائفة، وقريب من النهر يقع مكان (الدرفش) وفي هذا المكان ينصب شكل رمزي يشبه علامة (+) ويتكون من قصبتين متعامدتين، على قصبتها الأفقية قطعة من القماش الابيض، يتدلى طرفاها من الجانبين، وغصن من الآس في أعلى القصبة العمودية. يمسكه المتعمدون من الاسفل وهم جلوس، ويقرأ لهم أحد رجال دين قسما من الخطاب الديني المخصوص، ويرددون بعده كلمة كلمة، ثم يقفون ممسكي القصبة العمودية، ويكمل رجل الدين قراءته، ويردده بعده المتعمدون. ويسمي رئيس الطائفة الشيخ «ستار الحلو»، هذا الطقس بـ «مسك الدرفش» (أدنا زيوا)، ونص ما يقرؤون في «الدرفش»، ويقرؤونه كلمة كلمة ليتمكن الجميع من قراءتها، وهو خطاب روحاني أكثر ما هو خطاب مادي.
وأما عن اصل كلمة «الدرفش» فيقول (رئيس الطائفة): إنها تعني: علم أو راية، (وهي كلمة فارسية، تعني نور، شعاع، لمعان، وتأتي بمعنى راية)، أو (درابشا) وهي قبس من عوالم النور أنزلها الملاك جبرائيل (ملكيه زيوا) لكي يضيء هذا العالم ووضعه على نهر الفرات في الاتجاهات الاربعة، لكي ينير شرق وغرب وشمال وجنوب الأرض، وقام بصباغة النبي آدم. ويقع المكان الذي يقيمون فيه طقس «الدرفش» في أعلى أرض التعميد، وعلى بعد عشرة أمتار تقريبا من الشريعة، حيث يُنصب في المكان «الصليب المندي» رمز الصابئة المندائية، وفي المكان نفسه لافتة كبيرة مكتوب عليها النص الذي يقرؤه المتعمدون، بينما يقف أحد رجال الدين (الشيخ عبد السلام جبار)، يتلو لهم بلغة مندائية الخطاب الخاص بـ «الدرفش»  مع تصاعد البخور من طينية على شكل تنور صغير في الجوار. ويقرأ في طقس عيد البنجه، من كتب خاصة، هي «البناني»، يعني كتاب (البراخا)، وكتاب (المصبتا)، و»البراخا» هو كتاب أدعية الى الله سبحانه وتعالى، ولكن تضاف إليها «البوث» أي الآيات. 
ومن الملاحظة بالمشاهدة والمشاركة: يبدو شكل «الدرفش» مثل صليب، ويدل شكله ايضاً كأنه شخص يقف منتصباً يضع على كتفه قطعة من القماش الأبيض يلفها حول عنقه، ويضع على رأسه غصنا من الآس، وهو ربما صورة رمزية عن رجل الدين في هذا الطقس، إذ ترى رجل الدين في ذلك اليوم يرتدي الملابس البيضاء ويعتمر عمامة يضع تحتها غصنا من الآس.
ويقول الشيخ «الحلو»: «الآس» رمز ديني مهم جداً وهو من نباتات الجنة، وهو دائم الاخضرار، وفيه رائحة زكية وطيبة، نقول: (كث آس بنيني، كث مهموز بواني)، يعني هذا الآس بالجنائن العليا، فيه رائحة زكية، وهو يرمز لديمومة الحياة، نضعه على جبين المصطبغ الايمن، ولكن أول الامر نضعه بالخنصر ثم نرفعه الى الجبين، ولا يختلف الرجال عن النساء في هذا الشأن. (والغصن الأخضر (Green branch) تستعمله الشعوب البدائية على نطاق واسع، وبخاصة في مناطق استراليا، وهو رمز للسلام، كما يرى شاكر مصطفى سليم).
ولاحظ الباحث أن في هذا الطقس يرتدي رجل الدين المسؤول عن هذا الطقس الزي الديني الخاص بهم، من ثوب ابيض واسع وتحته سروال، وفوق رأسه عمامة صغيرة من قماش أبيض أيضاً، ويلف “هميانه” حزام من الصوف في وسطه، يتدلى طرفاه إلى الأسفل، ويرتدي “القبقاب” وهو نعل من الخشب، تسمع صوته وهو يمشي أو ينتقل من مكان إلى آخر يطرق على الأرض بشكل متناغم مع طبيعة الطقس. بينما يلبس المعتمرون كل ما يلبسه الشيخ من ملابس، ما عدا القبقاب، فهم حفاة الأقدام يمارسون طقسهم من دون أن يرتدوا اي شيء في أرجلهم.  
يقرأ الشيخ النص في هذا المشهد كلمة كلمة، ويردد المتعمدون ما يقول الشيخ كلمة كلمة أيضاً، في أداء ساحر ومتناغم مع طبيعية الطقس. له طابع الروحانية والانعتاق من الأشياء المادية في حياة الإنسان، ترتيب وتراتب صوتي يتناغم مع الهواء والشمس والريح التي تلامس الوجوه والعيون التي ترنو إلى رمز “الدرفش”، وكأنما هي تنظر إلى السماء. وبعد الانتهاء من قراءة “الدرفش” يتوجه المتعمدون إلى الشريعة لتكملة الجزء الثاني من التعميد، بينما يبقى الشيخ لاستقبال اشخاص آخرين حتى يقرأ لهم نص “الدرفش” أو الترخيصة، بالطريقة الأولى نفسها (ربما يعوض عن الشيخ عبد السلام شيخ آخر، فقد رأيت رجل دين شاباً، يتلو في بعض الأحيان).
 
خطاب التعميد.. السياق والفعل 
ومن الملاحظة بالمشاركة يتوجه المتعمدون إلى النهر، أو شريعة النهر، وينزلون في سلم من عدة درجات يؤدي إلى المكان الذي أعُدَّ للتعميد، يسمي رجال الدين “التعميد” بـ “الصباغة” أو”الاصطباغ”، ربما لأنه في هذا الطقس يغمر جسد الإنسان كله في ماء النهر وكأنه صبغ جسده ولكن بالماء مادة، والتلاوة الملازمة لها روحاً. وهناك في أسفل النهر ينتظرهم رجل دين آخر يقوم بمهمة “التعميد”، إنه يقف في الماء ممسكاً عصاه بيده اليمنى، ويلبس الملابس الدينية الروحانية البيضاء، ويلف وجهه بعمامته، ولا يخرج من وجهه سوى عينيه والجزء الأعلى من وجهه. ويقف المتعمدون على حافة النهر (الشريعة) ويمدون أيديهم إلى النهر بشكل زاوية قائمة، للسلام على “ملاك الماء”.. لاحظ الباحث وهم يرفعون ايديهم يضعون في خنصر يدهم اليمنى غصنا من الآس، وكذلك يضعون على جبينهم غصنا آخر من الآس، ثم يقرأ الشيخ ويردد بعده المتعمدون. 
ويقول أحد المخبرين (مقابلة مع رئيس الطائفة الشيخ ستار الحلو): هناك أهمية كبيرة لطقوس التعميد، ويجب أن يكون في الماء الجاري، ووجود بيت العبادة المبني من الطين والقصب، وهو البناء الروحي المرتبط بالأسرار السبعة، والسبعة ايام، وسبع كلمات الذي أنشأ بهن الحي العظيم العالم، كما أن بداية الخلق تكون من (أين وسندركه)، العين والنخلة، والنخلة مقدسة عندنا، ومنها سقطت البذرة في الينبوع، وبقيت 360 يوما، ومنها انبثق آدم الخفي، ومن آدم الخفي تكون (آدم كسيا)، آدم الحقيقي، ونحن لكل منا له نظير، أنتم تسمونه الشبيه أو النظير، ونسميه النفس، وهذه -أي النفس- طلبت من الحي العظيم سلاحا تحارب به قوى الشر، وطلبت (الناسورائي) أي العلم او المعرفة. فالماء الجاري نعتبره رمز الحياة، لأنه بجريانه تدوم الحياة، والماء الراكد لا تجوز به الطقوس الدينية، لأنه ماء آسن ونسميه (ميه سواوي)، والمياه عندنا أنواع: (ميه بيري)، ماء البئر، (ميه تاهمي)، مياه البحار، (ميه سواوي) مياه سوداء، (ميه يردنه)، المياه التي لدينا (يردنه آل مدنهورا)، المياه العلوية.
 
طقس القماشي واللوفاني
 وفي عيد “البرونايا” يقام طقس “القماشي”، وهو طقس يقام للذين ماتوا أو ارتحلوا من هذه الدنيا بحادث أو بصورة مفاجئة، ولم يجرِ لهم التلقين أو طقوس التهيئة للعالم الآخر، وهي تختلف باختلاف الميت إن كان رجلاً يأتون برجل يقوم بالإنابة عنه، ويقيمون عليه هذا الطقس، وإن كانت امرأة يأتون بامرأة بالنيابة عن المرأة التي توفيت بحادث، وتجرى عليهم طقوس الموتى. 
ويروي أحد المخبرين: أن طقس “القماشي” نعمله للأشخاص المتوفين، ولم يلبسوا الكفن قبل وفاتهم، لأن النفس دخلت في جسد آدم نقية طاهرة فيجب أن تخرج من جسد نقي ونظيف.  ونحن إذا احتضر أي شخص نلبّسه ونكفّنه ونقبّله – نضعه على القبلة - وإذا لم يتوفَ ننزع عنه ملابسه الدينية، والشخص الذي يتوفى بحادث نعمل له “قماشي”، فإذا كان شخصا متزوجا نضع له شخصا متزوجا، وإذا كان أعزب نضع له شخصا أعزب، وهكذا، مثل البنت، أو زوجة رجل الدين،... فيجب ان يكون بصفته نفسها، ويكون طاهرا ونظيفا ونلبسه الكفن، ولا يتكلم أبداً، وكأنه ميت، ونقرأ على رأسه (البوث) الآيات الخاصة. وبحسب مخبر آخر: يدفع ذوو المتوفى، للقائمين على هذا الطقس (زدقا) أي صدقة، بثواب الميت، وهي متيسرة لكل شخص، والشخص الفقير يمكنه ألا يدفع هذه الصدقة. ويجري هذا الطقس الشيخ “ستار الحلو” رئيس الطائفة بنفسه، ومساعدة اثنين من رجال الدين فضلاً عن بديل الشخص الميت، الذي لا يتكلم أبداً في ذلك اليوم لأنّه رمزٌ لشخص ميت، وقد أعد لهذا الأمر شخصان رجل دين وامرأة ثابتة لهذا الغرض، فهم يقومون بالنيابة عن كل الموتى الذين يرغب أقرباؤهم بعمل هذا الطقس. وفي طقس “القماشي” هناك  منطقة غير مسموح بها لغير رجال الدين العاملين في هذا الطقس من الدخول فيها، أي أن لهذا الطقس مجالا دينيا يُحرم الآخرون من دخوله، لشروطه التي يجب اتباعها أو مراعتها في هذا الطقس. ويكون طقس (اللوفاني) على جرف النهر، وهو طقس لإعداد الطعام الروحاني، وهو خاص بتكريس رجال الدين الصابئة، للعبور من رتبة إلى أخرى، ومن محرمات طقس التكريس الروحاني (اللوفاني)، الاقتراب من هذا المسرح الروحاني، أو مس أدواته، أو مس الطعام نفسه، إلا من رجال الدين انفسهم، أو من تعمد في ذلك اليوم.  
    وبإتمام هذه الطقوس يكون قد استوفي عيد البرونايا بشكل كامل، وعلى مدى خمسة ايام تستمر هذه الطقوس وبشكل مستمر... وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نقول: كل عام وطائفة الصابئة في العراق والعالم بخير وسلام وأمان.