منصة {إبداع} تحتفي بالمقالح الشاعر والكاتب والإنسان

منصة 2021/04/07
...

د. سعد التميمي
 
بحضور وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور حسن ناظم، أقامت منصة “إبداع في بغداد مدينة الإبداع الأدبي اليونسكو) بالتعاون مع كلية التربية في الجامعة المستنصريَّة، جلسة تحت عنوان (عبد العزيز المقالح.. رسالة محبة من بغداد الى صنعاء)، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والنقاد والشعراء من العراق واليمن أشادوا بحضور المقالح في الفضاء الثقافي العربي والذي يجمعهم اليوم في بغداد مثلما كان يجمعهم في اليمن. وفي مداخلته، أكد وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم “ اهمية هذه الجلسة ومباركته لما تقوم به منصة إبداع من نشاطات ثقافيَّة فاعلة”، كما عبر عن سعادته بلقائه هذا الجمع الكبير من الأكاديميين والنقاد والشعراء المبدعين ورحب بهم وشد على أيديهم وهم يحتفون برمز شعري عربي كبير، متمنياً للشاعر الكبير عبد العزيز المقالح الصحة والسلامة، لما له من أيادٍ بيضاء أسداها للجميع، بوصفه شاعراً وكاتباً عرف بغزارة نتاجه وحضوره في الساحة الثقافية منذ الستينيات
وتحدث أ.د.طارق الجنابي عن المقالح قائلاً: “يلقاك بوجه هادئ تزينه ابتسامة حيّية خفيفة، خفيض الصوت. لا تشغله السياسة المتداولة، ويتحدث في السياسة العامة في الدوريات العربية بلغة المثقفين، لا بلغة النفاق السياسي، يقرأ كثيراً ويكتب كثيراً ولا سيما في تصدير أعمال الشباب الشعريَّة، وفيها يصب رؤاه وتشجيعه إيّاهم بروح الأب الموجه. مخلصٌ لأصدقائه، ولأخوة المقيل ولسائر من يحتاج العون، ومقيله مثابة المثقفين من الآتين والمقيمين. إنه حقاً مدرسة في الإبداع والخلق الرفيع، إنه شاعر البوح، والروحانية، والصوفية، ولذا كان شعره رمزياً، مترعاً بتعانق المجازات وجمال الصورة، والإيقاع”.
ثم تحدث أ.د. عبد الرضا علي المقيم في لندن فقال: “ليسَ جزافاً أنْ يُقال: {إذا ذُكِرت اليمن ذُكِرَ المقالح}، ففضلاً عن كونِهَ رمزاً ثقافيَّاً كبيراً، فهو رمزٌ وطنيٌّ شاخصٌ، وشخصيَّةٌ فذَّةٌ، رعى مبدعي اليمن شباباً، وأذاعَ إبداعَهم نشراً بعد أنْ قدَّم لهذا الإبداعِ تقديم المعرِّف بالصادقِ في أثناءِ مكوثهِ في القاهرة طالباً، وظلَّ يرعى الثقافة والمثقفين في بلاده (ولا يزال) بمحبَّة واهتمام ونكران ذات، كما أنَّه احتفى وما زال يحتفي بالإبداعِ الجديدِ، سواء أكان صادراً عن شبابٍ، أم كهول، أم شيوخ، لأنَّه يؤمنُ بقدرة المبدع العربي على إحداثِ الجديدِ في كلِّ ضروبِ الثقافةِ وميادينها إذا ما أُحسِنتْ رعايتُهُ، وتمَّ احتضانه. ومن خلال المقالح احتضنت جامعة صنعاء العلماءَ والأكاديميينَ المتميّزينَ، والأدباءَ والنقَّادَ اللامعين، فكان عطاؤهم لا حدودَ له، لأنَّهم وضعوهُ مثالاً يقتدونَ به، ويفتخرونَ بالعمل في رحابِ جامعة هو رئيسُها.
أما أ.د.سعيد الزبيدي فقد بدأ حديثه بقصيدة شعرية خاطب بها المقالح ثم قال: “تعلمت من المقالح كيف استثمر الوقت على كثرة الأعباء التي ينهض بها إدارة وإبداعاً مما يدعو الى الإعجاب. فضلاً عن شاعريته التي تجاوز بها ذاته ورآها في الإنسان أينما كان وكيفما كان. إنَّ الحديث عن هذا الرجل يطول للصفات التي اشتمل عليها وأمسك بزمامها عن إيمانٍ وممارسة، وهذا ما يلمسه كل من اقترب منه. إذا قلت عنه إنه اليمن فلا تبالغ وإنْ قلت عنه إنه العرب فلا مشاحة في ذلك وإنْ قلت عنه إنه العالم فقد صدقت هذا هو المقالح وكفى.
 
الحضور الإنساني والثقافي
تحدث الناقد أ.د.حاتم الصكر عنه قائلاً: “من أين للكلمات قدرةٌ مهما بلغت وتبالغت، وأفصحت وتفاصحت، لتلمَّ هذا الذي في النفس.. هذا الذي نسجته أيامُ ستةَ عشرَ عاماً من صحبةٍ معه، وقرب من نبض قلبه المتوجس مما سيأتي. شخص تجتمع فيه خصال الإنسان والشاعر والكاتب والمعلم. يقترض من هذا لذاك؛ ليكون في الوقت نفسه موجوداً بشمائله كلها. وهي حضورٌ دائمٌ في قلب وطنه وأدبه، وفي محراب لغته وأدبها، وفي إهاب إنسانيته وتفاصيلها. بذا كنا نرى حضوره، ونطارد سراً يجعل منه كل ذلك في لحظة. 
وأشاد الشاعر د. علي جعفر العلاق بالشاعر المقالح، مؤكداً على دوره في إشاعة وعيٍ جديدٍ، وذائقة مختلفة في الأدب اليمني المعاصر. وعمل دائماً على ربط هذا الأدب ببعده العربي والإنساني، من خلال كتاباته النقديَّة الرصينة، ومقالاته في الصحافة اليمنيَّة والعربيَّة، ومن خلال مجالسه التي كانت مدرسة عامرة بالتنوع والحيوية: شعراء وأدباء من أجيال مختلفة، نقاشات محتدمة في الأدب والسياسة والحياة، ومتابعة واعية وحميمة لأكثر قضايانا حدة، وأشد انكساراتنا إيلاماً. وإذا كان مجلسه هذا قد جمعنا بكبار زوار صنعاء من الشعراء والأدباء والمفكرين العرب والأجانب، فإنه قد عرفنا أيضا على ألمع شعراء اليمن ومثقفيه.
أما الشاعر فضل خلف فقد اختار توجيه كلامه للشاعر المقالح بقوله: “لقد كنت مخلصاً لرسالتك الإنسانيَّة التي عملت على تحقيقها في كل مراحل حياتك أحببت اليمن، من أقصاه الى أقصاه وسخّرت لخدمته ما كان بوسعك وما كنت تقنع لليمن إلا بما يليق باسمه وتاريخه العريق أحببت العالم، كل العالم، ورغبت أنْ تراه في اليمن وأنْ ترى اليمن في العالم أحببت العرب، مشارقة ومغاربة، وأفردت لمبدعيهم مكاناً لائقاً في وجدانك ومحيط عملك وما كنت لتبخس أحداً ما يستحق من الاهتمام والتقدير أحببت العراقيين، وأنا أخصص هنا لعمق وتجذر علاقتهم معك، وجعلتهم يشعرون أنهم، حقاً، في وطنهم الثاني، بعد أنْ ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وفي هذا الوقت الخارج على سياق الزمن، أستحضر جلسات مقيل مركز الدراسات والبحوث والمجالس الخاصة، التي كان حضور هذه الاحتفائية، جزءاً لا يتجزأ من مجرياتها. لقد أدنيت العراقيين، من مبدعين وأكاديميين، حتى تماهوا عضوياً مع المشهد الثقافي اليمني وكما جمعتنا وآخيتنا في تلك الظروف العصيبة التي كان يمر بها العراق، ها أنَّ محبتك تجمعنا ثانية في مغترباتنا الاضطراريَّة، لنقول لك ما كنا نود قوله منذ أول لحظة قادتنا فيها أقدارنا باتجاهات متقاطعة. أما الناقد أ.د. محمد عبد الرضا شياع فقال: لم ألتقِ الشاعر عبد العزيز المقالح ذاتاً، ولكنني عايشته إبداعاً، ولأتحدث عن الصديق الكاتب الليبي الدكتور زياد علي الذي خبر حياة المقالح، ثم نقلها لنا بأمانة الباحث المسؤول. الكاتب زياد علي الذي التقيته بمدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية، حيث كنّا نحضّر الدكتوراه في الجامعة ذاتها، والمقالح هو الذي اقترح عليه أن يكتب الدكتوراه في الفكر السياسي والقانوني عند الشوكاني، إذ سبق له أنْ كتب عن الوحدة اليمنية. كانت تنداح من شرفة دارة زياد علي بمدينة الرباط موسيقى أبو بكر سالم، وهو يشدو بصوت اليمن.
 
المقالح والتجربة الرائدة
كشف الشاعر د. رعد السيفي عن أهمية تجربة الشاعر المقالح في المشهدين الشعري والنثري في اليمن، والتي مثّلت ظاهرة متفردة قلّما تتكرر في المشهد الإبداعي العربي. وإذا أوجزنا الحديث عن تجربته الشعرية يمكننا القول: “لقد امتازت قصيدة المقالح بقدرتها العالية على التطور الجمالي، إذ بإمكاننا أنْ نفصل أسلوبياً بين مراحل متعددة في شعريته. حيث تنتهي المرحلة الأولى بديوانه الثامن (أوراق الجسد العائد من الموت) والصادر عام 1986م. لتلحقها مرحلة صمت طويلة تمتد لاثنتي عشرة سنه، ليعود الشاعر ويطالع قارئه بديوانه التاسع (أبجدية الروح) الصادر عام 1998 تلك المجموعة ذات المنحى المغاير لما سبقها من حيث توظيف الإحساس الصوفي الكامن، والمواجيد الروحيَّة بكل ما تنطوي عليه من بوح روحي خالص.
وتمثل مرحلة التبويب؛ التي بدأت بكتاب (صنعاء) ديوانه العاشر، والصادر عام 1999م مرحلة ثالثة. يمكن لي أنْ أضعها ضمن سياق الزمر النّصيّة المتشابهة التي تضافر فيها الموضوع مع الأداء الفنّي بشكلٍ لافت. ولعلّ كتاب (الأمّ) ـ ديوانه الخامس عشر يمثل واحداً من أهم دواوين رثاء الأمّ في الشعر العربي المعاصر، لافتين النظر إلى أنَّ الشاعر اختار قصيدة النثر أداة للتعبير عن تلك التجربة.
وقال الشاعر عبدالرزّاق الربيعي: “في كلّ عاصمة عربيّة توجد علامة ثقافيّة يلتفّ حولها المثقّفون، ففي التسعينيات بعمّان كان الشاعر عبدالوهّاب البياتي علامة نجتمع عندها، وكما هو معروف كان نجيب محفوظ علامة في مقهى (الريش) بالقاهرة، وحين وصلنا (صنعاء) وجدنا الدكتور عبدالعزيز المقالح علامة ثقافيّة يجتمع الأكاديميون، والأدباء، وزوّار اليمن عندها، وكنّا عندما نريد أنْ نتفق على موعد، نحسم الأمر، ونقول: نلتقي عند المقالح، وهكذا كنّا نجتمع أكثر من مرّة في الأسبوع، يكون أكبرها في مجلسه الأدبي بمركز الدراسات اليمني، ومرّة ثانية، إمّا في منزله، أو بمنزل الأستاذ خالد الرويشان، أو بمنزل الشاعر محمد عبدالسلام منصور، وكان منزله، مفتوحاً لمختلف أنواع الفنون، ولم يقتصر على القراءات الشعريَّة، والقصصيَّة، والحوارات، بل تجاوز ذلك إلى العروض المسرحيَّة، فظهر مسرح المقيل، وشاهدنا عروضاً للراحل كريم جثير، والفنان والشاعر عبدالقادر صبري، وسمعنا معزوفات موسيقيَّة وغناءً صوفيّا، فكان شاملاً”.
وأضاف الربيعي “على مدى أربعين سنة أمضيتها في العمل الثقافي والإعلامي، التقيت بشعراء كبار، ولكن قلة منهم اجتمعت به الصفتان: الشاعر، والإنسان، والمقالح من هذه القلّة، فقد كان سنداً لكلّ محتاج، وما إنْ تعترض أحد الأدباء مشكلة، يقفز اسم المقالح، فيعطي الحلول، بكلّ ما يستطيع من وجاهة، وحضور ثقافي وعلاقات، وهذا الأمر ينطبق حتى على الأدباء العرب الذين يعيشون في بلدانهم”.
وتحدّث الشاعر عدنان الصائغ حول لقائه بالمقالح في صنعاء خلال زيارة قام بها لها عام١٩٩٣ ملبياً لدعوة ثقافيَّة وجهت إليه، وتحدث عن تواضعه وحسه الإنساني العالي، واحتفائه بالأصدقاء، في الحياة والشعر وكتابه الشعري (كتاب الأصدقاء) يؤكد على ذلك، كونه رسم صوراً شعريَّة لأصدقائه، مع ذكر مقطع شعري لكل منهم.
وشكر كل من الدكتور همدان دماج والدكتور عبد الحميد الحسامي والأستاذ حميد العقبي من الاخوة اليمانيين مبادرة منصة إبداع ممثلة بمديرها د. سعد التميمي والنخبة من الأساتذة الذين شاركوا في الاحتفاء.