مشاعر تمتزج بالأسى والحرمان التقاعد المبكر.. تداعيات وهموم

اسرة ومجتمع 2021/04/11
...

  لمياء نعمان
 
تسمر في مكانه عندما علم أن قرار التقاعد الجديد قد شمله، كانت وظيفته برأيه عالمه المفضل، اذ تجمعه صداقة عميقة وعشرة سنين طويلة مع بعض الموظفين والموظفات.
لا توجد بعد الآن صباحات جديدة يستعجل بها للخروج من بيته الى دائرته، ولن تكون هناك نقاشات بين الزملاء لمتابعة أحداث البلد والعالم، ولن تكون هناك مناسبات جميلة بين الزملاء يشهدها ويشارك بها، درجته الوظيفية سمحت له بالحصول على ساعات اضافية ومكافآت وسفرات عمل، فضلا عن علاقته مع بعض عملاء وزبائن الدائرة وحصوله على مكاسب مالية منهم جراء خدماته لهم، كلها انتهت من دون أن يفكر بها مسبقاً.
 
جفاء الوقت
بعد اكماله إجراءات التقاعد والحصول على الهوية والراتب البائس، بدأت اتصالات زملائه له تقل يوما بعد آخر، فهم مشغولون بعملهم وحياتهم، حاول في بادئ الأمر القيام بسفرات سياحية مع اسرته عن طريق الكروبات السياحية، لكن لم يفرحه ذلك وتصور أن أصدقاءه في الوظيفة لم ينسوه، لكن مع مرور الأيام شعر بأن الهاتف لم يعد يرن كالسابق للسؤال والجواب واستعلام الحال، لكنه يجدهم على صفحات الفيسبوك يبادلونه التحايا، حاول أن يخرج بذاته من مطب التقاعد والأمراض التي توالت عليه بسبب الملل والضجر، فأصبح يقضي وقته بمراجعة المستشفيات والأطباء، اما أصدقاؤه الجدد فأغلبهم من المتقاعدين والأقرباء وأغلبهم يشكون من الراتب والعيال، وكان عليه الاستماع الى أحاديثهم، او يبقى في داره وحيدا.
 
رعاية واهتمام
في أوروبا ودول العالم لا يشغل المتقاعدون تفكيرهم في كيفية البدء بمشوارهم الجديد، بل أهم شيء يحسب له مجتمعهم وحكوماتهم هو رعايتهم والاهتمام بهم وتوفير  الدعم المعنوي والنفسي والمالي والاجتماعي لهم، وهم يشغلون انفسهم  بالتطوع في الأعمال الخيرية والانسانية  أو حتى ينضمون الى مشاريع حكومية للعمل واستثمار طاقاتهم وخبراتهم، والقصد منها قتل الفراغ الذي يسبب لهم الوحدة القاتلة وهذا ما يخيفهم و لا يرغبون في أن يكونوا وحيدين في المنزل طوال النهار، لأن ذلك يسبب لهم الأمراض العضوية والجسدية، لذا يشغلون انفسهم بما هو نافع لهم ولمجتمعهم، و تجد من عمره تجاوز السبعين عاما ويعمل في سوبر ماركت او غيره أو يقف مع كوب قهوته الصباحية ينظم حركة سير المركبات لأجل الطلبة الصغار ليعبروا لمدارسهم تجنبا للحوادث، وبعضهم يعمل في القطاع الخاص لغرض الحصول على مورد مالي، اضافة لتقاعده ليتمكن من العيش برفاهية  والسفر والاستمتاع بحياته من دون الحاجة لمساعدة الأبناء أو الدولة، لذا يتمتع أغلبهم بالحيوية والنشاط والابتسامة والرضا، فالمجتمع والدولة تفهما وحدتهم القاسية خاصة في أيام الشتاء الباردة. 
 
تداعيات التقاعد
الباحث في الشأن الاسري امجد الياسري علق على موضوع التقاعد بالقول: «متقاعدنا الستيني يشعر بأنه في نهاية مطاف حياته بسبب نظرة الناس له وحتى الدولة فلا أعمال ولا مشاريع ولا موارد مالية يمكنه الاستفادة منها ولا أماكن ولا تجمعات ينضم لها ولا اعتبارات لخدمته واستغلال طاقته وخبراته للاستفادة منها ونقلها لجيل الشباب الجديد، لذلك يشعر بالاهمال الشديد، ومن هنا يفكر متقاعدنا بالمرض النفسي والموت واختيار مقبرة لدفنه، بينما داخله يعج بالنشاط والحيوية ويتمتع بالطاقة الكبيرة للاستمرار في بذل ما لديه لأسرته ومجتمعه، لذا يجب على الدولة أن ترعى اوضاعهم 
وتهيئ لهم مشاريع ناضجة للعمل البسيط او اماكن ترفيهية خاصة بهم او حتى سفرات مجانية لاتاحة الفرصة لهم للتعرف على اصدقاء جدد، كذلك تكون فرصة جيدة ايضا للترويح والحد من الحالات النفسية التي ترافقهم جراء هذا 
القرار».