تغيرت أخلاقيات المجتمع العراقي ومعاييره وسلوكياته إلى حد كبير على مدى نصف القرن الماضي بفعل ما عاشه من هزات عنيفة، كالانقلابات العسكرية الدموية، والارهاب السياسي، وحروب الطاغية الكارثية، والاحتلال الأميركي المدمر، والنزاعات الطائفية والفئوية الأكثر تدميرا، أضف لذلك كله الانهيار الاقتصادي والهجرة الواسعة من الريف إلى المدن التي خلطت أخلاقيات وأعراف سكان الطرفين وشوهتها، وقد ترك ذلك كله أثره السلبي في أفراد المجتمع ومؤسساته ومنها الأسرة
وكما هو معروف فإن التربية الأخلاقية في الأسرة لا تنفصل عن الوضع الأخلاقي العام للمجتمع في أي عهد كان، كما أن هذه التربية ذاتها ليست منفصلة عن أخلاقيات الوالدين في الأسرة، بل هي قائمة عليها في المقام الأول، وقد تنشأ في المجتمع بفعل ظروف سيئة أو تأثيرات خارجية مختلفة ظواهر غريبة عن التقاليد الطيبة المتوارثة للمجتمع، كانتشار المخدرات والعنف، والتفكك الأسري، والرشوة وغيرها، ويتغير الطابع العام لهذا المجتمع بشكل يصعب على السلطات المعنية ذاتها أو نخبة المفكرين فيه القيام باصلاحه، غير أن من الممكن فعل ذلك من خلال الانطلاق مجددا من الثوابت الأخلاقية المنهجية في التعليم المدرسي و تعاليم الدين والنشاطات الاعلامية والثقافية الهادفة، وذلك لأن هذه الركائز الثلاث تبقى سليمة فكريا بوجه عام، ويمكن للسلطة القائمة الراغبة في الإصلاح الاستناد إلى هذه الركائز للعودة بالمجتمع إلى أخلاقياته الطيبة السابقة تدريجيا.
ولا يمكن لهذه العودة أن تتم بطبيعة الحال إن لم تقترن بتحسين المعيشة، وتحقيق الأمن والاستقرار، وإشاعة العدالة في توفير فرص العمل والتعلم والاستفادة من الخدمات الاجتماعية الحضارية لجميع أفراد المجتمع في الريف والمدينة على حد سواء، وهذا أمر صعب للغاية، بل مستحيل، إذا ما ظلّت أنانية أصحاب الشأن مركّزة على الاستئثار بالنفع العام لأنفسهم، وسهل جدا إذا ما خففوا من أنانيتهم واستوعبوا أن مجتمعا سليما كهذا سيكون أفضل وأكثر نفعا وأمناً لأطفالهم الذين هم بعض أهل أنانيتهم هذه بطبيعة الحال! .