ادخرت أم حيدر مبلغاً من المال لغرض شراء المستلزمات الرمضانية، وقد امتلأ ركن مطبخها بأغلب احتياجات الأسرة لهذا الشهر الفضيل، فهي تعلم أن الأسعار ستأخذ بالتصاعد، أم حيدر تعلمت من والدتها وأخواتها وصديقاتها أن تكون مائدة رمضان متنوعة، فلا يكفيها تقديم نوعين من الطعام، بل تقدم المزيد وعادة ما يحفظ الطعام المتبقي في الثلاجة ويقدم في اليوم التالي، وان لم يؤكل فسيرمى في القمامة، وزوجها اشار الى أن رمضان ليس في تهيئة انواع الأطعمة،
بل في العبادة وفعل الخير ومساعدة الفقراء.
عدم المغالاة
قال الكاتب عباس الصباغ: «حث الاسلام على اتباع الوسطية في كل الامور ومنها الطعام، فلا افراط مملّ ولا تفريط مخلّ فيه، والمبالغة في اعداد موائد الافطار في الشهر الفضيل تجانب الوسطية التي حضّ عليها ديننا الحنيف من جهة، ومن جهة اخرى تأتي بالضد من فلسفة الصيام التي اكدت على المواساة مع الفقراء والذين يجدون الكفاف في معيشتهم، وتتنافى مع القواعد الصحية المطلوبة للصائم، ومما ورد عن النبي (ص) ان الصيام هو عبادة فرضها الله على الناس ليستلهموا المبادئ والاخلاق الانسانية، وهي الفرصة الثمينة التي منحها الله للناس والتي يجب أن تكون قاعدة اخلاقية وروحية لبقية اشهر السنة، وليس من اجل مدّ الموائد العامرة المكلفة لرب الاسرة، وقد يُضطر للاستدانة او انتهاج طرق غير صحيحة لسد نفقات هذه الموائد، ما يؤثر في ميزانية الاسرة ويحدث خللا فيها».
القناعة
واوضحت المدرسة والاعلامية نضال يوسف «قبل حلول رمضان في كل عام، تمتلئ مراكز التسوق بالناس وهم يحملون قوائم الشراء، وينفقون اضعاف ما ينفقونه في الايام الاعتيادية، وتأتي ساعة التجهيز فاذا بالمطابخ تصبح خلية عمل مشترك لتجهيز طعام الافطار، وتحضر المائدة قبيل الاذان بلحظات ويجلس الجميع مجهدين ينتظرون الاذان».
فكرة قديمة
وبينت مريم حسن(موظفة)، أن «هناك مبالغة في موائد الافطار، لأننا لا نشعر بقيمة الأشياء التي بين ايدينا الا عندما نفقدها، فحين يتأخر الراتب الشهري تقوم الدنيا ولا تقعد، ولماذا لا نتذكر بأن هناك جياعا وفقراء ومحتاجين، ويجب أن يكون لهم نصيب ما رزقنا الله به».
واضافت «كانت هناك فكرة قديمة عند اهلنا، أن يكثروا من طبخ الأشياء المفيدة التي تساعد الصائم على التحمل وتشعره بالشبع وعدم العطش».
أجواء أخرى
وفي رأي آخر قالت السيدة ام محمد «ان رمضان يجمع الاسرة، والمبالغة غير قائمة بصورتها العشوائية، لانها شكل من اشكال مائدة شهر رمضان التي تلم الشمل حولها، وايضا تكون لحظات وئام وصفاء للنفوس من خلال الحوارات وايضا الملاطفات وهي شعور مختلف عما يدور في لحظات اشهر السنة العادية، وهو شهر خير وبركة وليست فيه مبالغة الا في حياة الاشخاص الذين لا يتعبون في الحصول على الاموال، فمن يتعب يجعل مائدته خيرا وبركة بالمستطاع وبما يتمكن أن يضعه وقت الافطار، وهناك من لا يملك لقمة الافطار في بلد الخيرات».
طبخ كثير
واشارت ام علي الى أن «مائدة رمضان دائما تكون فيها مبالغة كبيرة جدا من قبل الاسرة والسبب في ذلك أن ربة البيت مطلوب منها عمل طبخات كثيرة لارضاء الجميع من جانب، ومن جانب آخر تركيز مفهوم وعرف سائد لدى الجميع بأن رمضان شهر الخير والبركة ويتم التدليل على ذلك عبر مائدة رمضان وفي النهاية تبقى الكثير من الاكلات ولم يلمسها أحد».
رأي علم النفس
اوضح د. سعد مطر عبود استاذ علم النفس التربوي أن «البعض من الناس يفرط بتناول الطعام والشراب وهذا السلوك غريزي واستعراضي، ومن ناحية أخرى بسبب العادات والتقاليد أو نتيجة الشراهة وضعف الارادة، والعادات هي نمط سلوكي يؤدي بشكل مباشر او غير مباشر الى محاكاة الآخرين في تصرفاتهم، بل وقد يتجه الفرد هنا للتفاخر وإبراز الإمكانيات وتجاهل الفقراء، والافراط في الطعام له سببان، الأول هو التقاليد وهذه سببها الموروث الثقافي، والسبب الثاني ضعف في الإيمان وابتعاد عن الغاية الأخلاقية للصوم، بل ويسقط في فخ الازدواجية».
تفاخر اجتماعي
طالبة الدكتوراه في علم الاجتماع هبة مجيد سبوت، اشارت الى أن «معظم الاسر في رمضان تقوم بإعداد موائد مبالغ فيها، ويعود ذلك إلى شعور تلك الاسر من خلال هذه الموائد بالتباهي والتفاخر الاجتماعي امام الأقارب او الأصدقاء، و مما ساعد على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي و نشر صور موائد الإفطار، الأمر الذي جعل الكثير من النساء يقمن بإعداد أطعمة متنوعة ويتسابقن في نشرها».