علي المرهج
تطلق كلمة (مفكر) كمقابل لكلمة (فيلسوف)، وهي تعني بتلخيص القول أن هذا الشخص لديه رؤى نقدية جديدة تمكن صاحبها من اقناع مريديه بعبارة صوفية وقرائه بعبارة (حداثية) من تغيير وجهات نظرهم في النظر لتفكير سائد على أنه لم يعد صالحاً للاستخدام وفق متغيرات الحال والأحوال، بل وحتى الأهوال، فهو كاتب يعيد انتاج الفكر والأقوال بما يجعل القديم لا قيمة له في البناء ويحتاج لرؤى هذا الفكر للتعديل والتجريح.
بمعنى آخر هو أن هذا الكاتب (المفكر) قد تمكن من تغيير المقول المتداول في الرؤى المعرفية التقليدية واختراقها لبناء نظام معرفي جديد ورؤية تجديدية ـ على الأقل ـ عمل الكاتب (المُفكر) فيها على تقويضها والاتيان ببديل معرفي جديد يحل محلها.
عادة ما يُستخدم مفهوم «المفكر» على من كتب مقالات عدَة أو كتباً في مجال ما من مجالات الفكر والأيديولوجيا، ولكن في سياقات فلسفية نحن نفهم أن مفهوم (المفكر) يعني أن من يوصف به في فكرنا العربي المعاصر قد طرح مشروعاً أو رؤية جديدة لحل مشكل النهضة في الفكر العربي الحديث، أو أجاب عن إشكالية (التراث والحداثة) في فكرنا المعاصر، لا اجابة تكرار لقول سبق يجتر بها من قيل عنه أنه مفكر إجابات سبقت، بل (المفكر) هو من يطرح الإشكالية بصياغة جديدة، وباقتراح حلول لم يسبقه أحد إليها.
لا تقل لي إن طرح الإشكالية واقتراح حلول لا يُعد جديداً عند من سمّيناه مفكراً، لأقول لك إنك لولا أن قرأت ما كتب هذا المفكر بما نبهك عليه من اثارة الإشكالية أو اقتراح الحلول، لما كانت لديك اجابة عن هكذا مُشكل.
أقول لكم إن المفكر صاحب مشروع نهضوي، سواء تتفق معه أو تختلف في تبنيه لأيديولوجيا أو رؤية فكرية ما يجدها تساعدنا على تحقيق النهضة.
حينما تقرأ كتاباته أو معالجاته، ستجد أنها من نتاج عقل مبدع تمكن من تأليف رؤية جديدة من خلال قراءته لمناهج جديدة وفكر تراثي ودراية بمتغيرات الواقع المعيش سياسياً واجتماعياً، والمبدع لا يخلق شيئاً من لا شيء، إنما المبدع هو الذي يُنبهك عن شيء وأشياء في حياتك تصلح أن تكون مقترحات حلول لمشكل التخلف في حياتنا ولم تنتبه لها أنت القارئ البسيط، فتجده يستفز عقلك بما عرفته وقرأته من قبل ولم تستطع أن تُفكر فيه بالطريقة ذاتها التي فكر فيها من أطلقنا عليه تسمية (مفكر).
إذن فالمفكر هو الذي يُنتج قولاً جديداً، أو رؤية جديدة لحل مشكل نعيشه في عالمنا العربي أو الإسلامي.
والمفكر هو الذي يُنتج مفاهيمه الخاصة التي حينما يستخدمها غيره خارج سياقتها التي استخدمها فيه مفكرها لا تجدها فاعلة مثلما هي فاعلة في منظومة المفكر الذي اجترحها.
ما نراه اليوم من شيوع في استخدام كلمة (مفكر) على كل من يجتر القول ويُعيد كتابة المقول بصيغة جديدة لربما تكون أقل قيمة من المقول القديم إنما هو (تسخيف) وتقليل من القيمة التداولية لهذه الكلمة، فكل إنسان بطبيعة وجوده يُفكر، ولكن ليس كل من يكتب هو مُفكر وإن كتب عشرات الكُتب.
الكاتب (المُفكر) هو المُختلف لا لمُجرد الاختلاف، بل لكونه يُجيد التأثير والتغيير في القارئ (المُتلقي) بما يجعله يُعيد حساباته في مألوف قوله ليُشكك فيه ليُشاركه «التفنيد» لموروث الفكر لا «التأييد» له..
الكاتب (المُفكر) هو الذي يُعيد القارئ كي يتفحص معارفه وأيديولجيته لينتقد ذاته بما يجعله مُشاركاً له في (المُغايرة) ونقد الموروث، ومن ثم نقد الذات للخلاص من أسطرة الحقيقة المألوفة أو
(المتوارثة).