حرب الحنطة

آراء 2021/05/19
...

  أحمد حسين                                                                                          
كثيرة هي المصائب التي ابتلي بها العراق منذ عقود من الزمن وليس الآن، تحديداً منذ ستينيات القرن الماضي، حين استولى على السلطة أناس كانوا يظنون أنفسهم ساسة وقادة ودهاة ويجيدون اللعب بالبيضة والحجر، أو إمساك العصا من الوسط، لكنهم في الحقيقة كانوا ينفذون من حيث يعلمون أو لا يعلمون إرادات الأنظمة الخبيثة، سواء بتنفيذ أجندات تلك الأنظمة كما هي، أو حتى عند رفضهم لها فهم يقدمون لها خدمة لتعيد صياغة مخططاتها بأشكال مغايرة لتطبيقها على أرض الواقع، وكل ما فشل مخطط أعيد تشكيله مجدداً أو استبداله بآخر يصب في النهاية في مصلحة هذا النظام أو ذاك.  
  
حتى مقاومتنا لتلك المخططات كانت تقدم خدمة للطامعين من دون أن نعلم، فمشكلتنا الأساس أننا لا ننظر للواقع بعين العقل، بل نتعامل معه وفقاً لاندفاعاتنا العاطفية والغرائزية، ولم نحاول أبداً توظيف طمع الآخرين لصالحنا، حتى وصلنا إلى مرحلة حرجة جداً وفتحنا أبوابنا بإرادتنا أمام الطامعين، حين أصبحنا نقلد مخططات الآخرين ضد بعضنا البعض.
حرب الحنطة ليست إلا مخططا بدأ خارجياً وانتهى داخلياً، فالحرائق التي اعتدنا على أنها تندلع في مؤسسات الدولة وتحديداً في مخازن المواد والسلع وغرف العقود، ومن ثم في مواقع صناديق الاقتراع، انتقلت منذ سنوات إلى ساحات جديدة لتطول حقول القمح، وإعداد هذا السيناريو بدأ تحديداً منذ اقتراب العراق من تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الستراتيجي.
بدأت الحرائق، ربما، بتوجيه من الدول المصدرة للقمح إلى العراق، وبحسب التحقيقات الجنائية كانت أدوات تلك الحرب عناصر داعش الارهابية - رغم أنني أشك بذلك كثيراً- وبعد سنتين تقريباً ها هي الحرائق تعود مجدداً لكنها خجولة ومحدودة وليست ذات تأثير يذكر، ولو دققنا 
في الأرقام المعلنة عن المساحات المحروقة من حقول القمح وحجم الخسائر سنقطع بما لا يقبل الشك، بأن السيناريو داخلي ولا يرقى لأن  ينشغل  بالتخطيط،  له نظام حاكم  مهما كان نظاماً بائساً 
وغبياً.
انشغال الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية والنخب الاجتماعية بالتثقيف للانتخابات المقبلة لا أراه سوى جهود تحتاج لمراجعة دائما ولن تثمر سوى عن تكرار سيناريوهات الانتخابات السابقة،  لذا  أرى أن توجيه هذه الجهود 
مجتمعة نحو إعادة ثقة المواطن بنفسه وبوطنه ووطنيته هو الأجدر والأحق وأولى الأولويات، فإذا ما نجحنا في ذلك حينها لن نحتاج إلى تثقيف المواطن لاختيار الأصلح لتمثيله في البرلمان ومؤسسات 
الدولة.