ظاهرة النقد السياسي

آراء 2021/05/22
...

 مشتاق جباري 
 
اعتاد الجميع على ممارسة النقد السياسي من دون محاولة فهم هذه الظاهرة، التي رافقت التجربة الديموقراطية العراقية الساعية للتطور اكثر، وفي نقد حالتي الدولة والحكومة، نلاحظ تدفق اندفاع نقدي حاد يميل الى الانفعال والعاطفة، التي تفتقد للجوانب العلمية والتي لاتحظى بمستوى معين من الموضوعية في الطرح. 
وبدلا من ان يكون النقد الموجه للنظام السياسي نقدا ستراتيجيا عميقا، تصاحبه مقترحات لحلول معينة او مفترضة، نراه يتحول الى نقد لتشويه صورة النظام ومساهمة لتعطيل حالة الدولة بمستوى تفكير يخلط في الفهم بين الخصومة السياسية، ولا يبرز اصحابها نزعتهم العدوانية، انما يتخذون النقد السياسي وسيلة للتهديم الممنهج، وبين الادعاء بالحرص على نجاح عمل الجهاز 
السياسي.
 ويتم اظهار هذا الجزء واعطاؤه زخما اعلاميا كبيرا لإيهام المتلقي، وجعله ينخرط في عملية التأثير. في نقد الحكومة يذهب الامر لنقطة اللاعودة غالبا، خصوصا اذا كانت هذه الحكومة لاتحظى بغطاء سياسي، يحميها من الاستهداف ولا تمتلك ادوات اعلامية تساعدها في التصدي للهجمات النقدية الممنهجة التي تستهدفها.
النقد السياسي في العراق عملية انفعالية، في جزء منها، ومدروسة ومعد لها بشكل جيد في جزء اخر، هدفه تحقيق غايات سياسية.  لا تستند حالات النقد السياسي بشكل عام الى اسس صحيحة وتخرج عن الاهداف الحقيقية، التي يجب ان ترسمها اي تجربة نقدية تهدف الى المساهمة الايجابية، على اعتبار ان الممارسة النقدية مؤثرة في تشخيص نقاط الضعف ومساهمة في صناعة الرأي العام، وفي بلورة رؤى وقناعات تؤثر في هدوء الشارع او اضطرابه للوصول الى الشكل الامثل للادارة 
السياسية. 
واذا اردنا أن نعرف متى نقف مع النظام السياسي والادوات التنفيذية المنبثقة عنه ومتى نكون ضده، لا بدّ أن نراقب عملية صناعة الديموقراطية في البلاد ونحرص على فهمها والاحاطة بالظاهر منها والمخفي، ونفهم طبيعة الظروف التي تشكلت فيها هذه الادوات، وضمن أي أسس ووقائع وتحديات ومناخات تمارس عملها، حين يفهم هذا الجزء فإنه يمكن أن يؤسس لإحاطة تامة بالمساحات الحقيقية للواقع، ويعرف الرأي العام بحدود القوة والثبات ونقاط الضعف ويجعل النقد السياسي عملية 
هادفة. 
مثال توضيحي على اهمية هذه الاحاطة في تشكيل الرؤى والتصورات، هو في الاراء والنقود التي وجهت لحكومة الكاظمي بسبب قيامها برفع قيمة الدولار، وما لفت الى نظري أن اغلب من وجهوا نقدا لتلك الخطوة، لم تكن لديهم احاطة علمية ومهنية بالموضوع، اي انه لم يكن هناك نقد تخصصي لهذا القرار، انما وجدناه نقدا سياسيا يخلو من العلمية.