الإعلام وقضيَّة المياه

آراء 2021/05/25
...

 د.محمد فلحي
 
 ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من نزاعات حول المياه والأنهار والروافد والسدود سبق أن وصف بـ (حرب المياه) والواقع أن هذه الحرب لم تندلع بعد، لكن ما يجري حالياً يمكن أن يوصف بـ (فوضى المياه)، فالماء مصدر الحياة، وقد طرحت قضية المياه، منذ عقود، في وسائل الإعلام، لكنها لم تحظ بنوع من التغطية الموضوعية والتوعية وكشف الحقائق للجمهور، وقد تداخل موضوع المياه في المشهد الإعلامي الفوضوي مع الموضوعات السياسية والعلاقات الإقليمية والحدود الدولية، وأبرز مثالين على ذلك ما يجري حالياً من أزمات واتهامات وتهديدات وحرب نفسية بخصوص قضية حوض نهر النيل، وقضية مجرى نهري دجلة والفرات، وتشابك العلاقات بين الدول المتشاركة في هذه الأنهار!
 وفق (نظرية ترتيب الأجندات) في وسائل الإعلام، فإن قضايا المياه تعد، في كثير من الأحيان، في نهاية القائمة، وذلك بالمقارنة مع الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، ولكن المياه قد تصبح موضوعاً ساخناً من خلال تصريحات المسؤولين السياسيين، ومن ثم تدخل في دائرة الجدل الإعلامي، كما هي الحال في أزمة سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد مصدرالحياة والتنمية في السودان ومصر، وسد اليسو التركي الذي خفض كميات المياه النازلة إلى سوريا والعراق وإيران معاً!
 في ظل غياب التنظيم القانوني الدولي لحق المياه، وعدم اهتمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن تبدو وجهات النظر والتصريحات بين أطراف النزاع حول المياه متباعدة، ومن النادر أن تقدم الفضائيات تغطية ميدانية لتوضيح الحقائق على الأرض وانعكاسات هذه الأزمات على البشر والبيئة والزراعة والصناعة والتنمية، وغيرها من جوانب الحياة، ووضع الموضوع في سياق انساني وقانوني واضح يقتضي التفاهم والحوار والتعاون بين الدول المتجاورة!
خلال الأيام الماضية تصاعدت المخاوف في وسائل الإعلام العراقية حول نقص كمية المياه في نهري دجلة والفرات إلى ما يقارب نصف الكمية، بعد أن عمدت تركيا إلى تشغيل سد (إليسو) الذي انتهت من بنائه في يناير/كانون الثاني 2018.
إذا استمرت قضية عدم توزيع المياه بين الدول المشتركة في وادي الرافدين، سوف تفقد الزراعة مصدرها الأساسي، ثم يواجه المواطن شحّة في الحصول على مياه الشرب والاستخدام المنزلي، فتضاف أزمة جديدة لأزمتي الكهرباء والخدمات، لكنها اذا تفاقمت قد تصبح الأخطر!
التغطية الإعلامية لأزمة المياه الحالية والمستقبلية ينبغي أن تأخذ مسارين:
 اولهما داخلي يدور حول وضع خطة إعلامية وإعلانية لمخاطبة المواطن بشأن التوعية والترشيد وتغيير العادات والاستخدامات وتجنب الهدر والتبذير، إلى جانب الدعوة إلى تشريع قانون لتنظيم شؤون المياه وتطبيقه.
وثانيهما خطاب إعلامي خارجي يتعلق بمخاطبة صناع القرار في الدول المعنية والرأي العام والمنظمات الدولية، من خلال كشف مخاطر قضية المياه وأبعادها المختلفة، وبالأخص حق الحياة، لغرض التنبيه حول هذه القضية وتنظيمها دولياً وإقليمياً، واعتبارها من الموضوعات الأولى في الأجندة الإعلامية والسياسية المزدحمة عادة بموضوعات وقضايا أقل خطورة!