الأحاديَّة والتعدديَّة في المشهد السياسي العراقي

آراء 2021/05/27
...

 د. عبد الواحد مشعل
تعيش المجتمعات النامية بشكل عام أنموذجا أحاديا في الحكم، ومنه تولدت النظم الدكتاتورية والانفراد في القرارات، ولعل هذه من ابرز الإشكاليات التي تواجه الدولة في المجتمعات النامية
 
وحتى بعض الدول التي تأخذ من النظام الأيدلوجي أنموذجا لها، والتاريخ يقول إن كل النظم الأحادية سائرة نحو الهلاك، فأين الامبرطوريات التاريخية، جمعيها هلكت وانتهى عصرها، ولا يمكن أن يكون لها نصيب في العودة ثانية الى الانبعاث على الرغم من أحلام التابعين لها أو المعجبين بها، والنتيجة العكسية تنطبق تماما على النظم التعددية، إن قامت، وادارة المعاملات الحياتية على أساس احترام التعدد بعدّه نظاما يحقق طموحات الكل، وبالتالي يكون لها حظ الاستمرار أكثر من النموذج الأول، والنظام السياسي العراقي الحديث ابتداء من النظام الملكي الى النظام الجمهوري قام على فلسفة الأحادية، ولو اختلفت حدة ذلك في النظام الملكي عنه في النظام الجمهوري، والأخير ولد لنا دكتاتوريات بأيديولوجيات مختلفة، وكلها آلت الى السقوط، والنظام السياسي الحالي بعد 2003 هو ذات شكل تعددي في إطاره العام، ولكنه من حيث الجوهر يقوم على احاديات مجزأة – ان جاز لنا التعبير - أما على نطاق الدول الكلية فما زال بعيدا عن الفهم الموضوعي للتعددية في اصلها، وما زالت الولاءات هي العامل الحاسم في رسم ملامحه، وهي متصارعة أكثر ما هي متفاعلة كما يفترض أن تكون، فالتعددية في الأصل تعني التنوع الثقافي المبدع الذي يقدم أروع ما عنده من إبداعات تعود بالفائدة على الجميع، وعندئذ يكون الطريق امامها ممهدا لبناء الدولة المدنية التي يتساوى فيها الجميع ويكون القانون هو الفيصل، قد يسأل سائل كيف نفسر ما عليه اليوم التعدد السياسي في التجربة العراقية الحالية، ويكون الجواب الموضوعي عن ذلك، أن الإشكالية ليست فقط في هذه القوى السياسية المتعددة، إنما الإشكالية تكمن في الفكر السياسي العراقي نفسه، وهو في اغلبه ذات مرجعية تقليدية تستمد أصولها من الجذور القبلية والعشائرية، التي تمثل في جوهرها صورة مفعلة لأحادية البنية السياسية العراقية، فالتجربة السياسية العراقية الحالية تحتاج الى وقت طويل كي تتمكن من استبدال العلاقات الثقافية والاجتماعية بعلاقات ديمقراطية تقوم على أساس اعتبار التعدد مصدر للإبداع والابتكار، لذا ينبغي أن يفكر الفاعل السياسي العراقي بجدية في إجراء تنمية بشرية فعالة تؤدي الى تحول صناعي يكون مقدمة لتغير ثقافي بنيوي، ونكون عندئذ وضعنا أولى خطواتنا نحو 
التعددية.