بشير خزعل
يرى البعض من المحللين والسياسين أن التجربة الديمقراطية في العراق لم تستطع ان تضمن عملية الاستقرار السياسي في البلاد، مع استمرار الخلافات والصراعات ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والاختلاف على تعطيل بعض القرارات او تمريرها، وفق اتفاقات مسبقة، وقد شهدنا في الحكومات والمجالس النيابية السابقة مختلف التصادمات التي ادت الى افشال مشاريع واتفاقيات وتحت مسميات مختلفة، الدستور العراقي لسنة 2005 منح مجلس النواب بعض الامتيازات التي قيدت يد الحكومة التنفيذية، فهي لن تذهب باي قرار اومشروع ما لم يحصل على موافقة البرلمان، ولان بعض نصوص الدستور اتسمت بالعمومية وتركت اغلب التفاصيل للتشريعات، هذا الامر ادى الى استمرار الخلاف وتفاقم بعض المشكلات، التي خرجت عن سيطرة السلطتين في مواقع متعددة، وبعكس الانظمة الديمقراطية في دول كثيرة، لم تكن الاغلبية السياسية في العراق قوية بما يكفي، لانها تخضع للنظام المتعدد للاحزاب ونظام التمثيل النسبي للمكونات.
وقد راى كثيرون من اصحاب الاختصاص في الشأن السياسي ان النظام الرئاسي قد لا يسنجم مع الواقع العراقي الحالي، بينما ذهب القسم الاكبر منهم بان النظام البرلماني لم ينجح في ادارة الدولة على مدى 18 عاما مضت ولا بد من التوجه الى النظام الرئاسي، وخالفهم الراي قسم اخر بان النظام الرئاسي ملائما في الدول المتقدمة ولا يلائم بلدا مثل العراق خوفا من الدكتاتورية، ووسط هذه الاختلافات يتعقد المشهد السياسي مرة اخرى، اثر انقسامات عقيمة بين الاحزاب والتيارات السياسية لاي محاولة لتعديل الدستور او تغيير النظام السياسي، ولأجل عدم الخوض في قضايا يمكن ان تجر البلاد الى الغوص في مستنقع الخلافات الدائمة، لا بد من البحث في مكامن الخلل اذا كانت في النظام البرلماني نفسه ام في عدم تجانس المكونات الاجتماعية على اساس قومي وطائفي والمتحزبة بنظام تعددي، مبني على اساس هذه المكونات، وقد بينت الدورات الانتخابية السابقة رجحان كفة هذا الراي، وعلى ما يبدو ان الحل ليس بتغيير النظام من برلماني الى رئاسي او العكس، بل يكمن بمعالجة الاسباب، وحل الازمة يبدأ من تغيير نظام الاحزاب وتقليص أعدادها داخل البرلمان، فتعدد الاحزاب بهذا الشكل قد يبدو ظاهرة غير صحية في العملية السياسية، ولنا في بلدان متقدمة كثيرة صحة هذه النظرية، ففي الدول الكبرى يوجد نظام تمثيلي وسياسي ناجح يقوم على فكرة وجود حزبين متنافسين مع وجود حزب أو حزبين معارضين فقط، ولا علاقة لاي خلفية دينية او طائفية او قومية لاعضاء هذه الاحزاب بممارسة دورهم السياسي، وعلى سبيل المثال نجح النظام البرلماني البريطاني وانظمة برلمانية اخرى في ارساء قواعد الاستقرار السياسي بسبب ابتعادهم عن التحزب خلف المصالح والولاءات الطائفية او القومية والعمل وفق الهوية الوطنية فقط، وهذا هو رأس الحكمة الذي يمكن ان ينهي حالة ضعف القرار وضعف
الدولة.