النظامُ يدافع عن نفسه

آراء 2021/05/29
...

 يحيى حسين زامل
 
لا أقصد في هذا المقال النظام السياسي فحسب، ولكني أقصد «النظام» بشكل عام، الاجتماعي، والثقافي، والسياسي، فهو يدافع عن نفسه بكل الصور والوسائل والأشكال لاستمرار وجوده في الواقع اليومي المعاش، فضلا عن وجوده في الذهن البشري الذي يعد اصغر وحدة في هذا النظام. 
   وحينما يترسخ نظام ما في الأذهان والتاريخ والذاكرة الجمعية فمن الصعوبة بمكان تغييره أو تصحيحه، وسيبذل أبناء هذا النظام المستحيل للمحافظ عليه، لأنهم يرون وجودهم وحياتهم فيه، لذلك يدافعون عنه إلى آخر رمق فيهم، ومن المؤكد أنهم سيمارسون أشرف الطرق وأخسّها في الحفاظ على ذلك النظام، ولو أدَّى ذلك إلى قتل أو تصفية جماعة أو أفراد آخرين، كما يحصل الآن في «فسلطين المحتلة»، وفي عدد من البلدان، إذ يسقط الكثير من أفراد وجماعات ضحية لهذا النظام والمحافظة عليه.
وفي الجانب السياسي يتمثل النظام في العملية السياسية، وكيفية ممارستها وإدارتها من خلال الأدوات والاساليب التي يتخذها أولئك للحفاظ على سلطتهم وسطوتهم وسيطرتهم وهيمنتهم على مفاصل الدولة، واستغلال مواردها للمنافع الجماعية والفردية، واستغلال هذه السلطة والموارد في أطول مدة ممكنة، وحماية هذه السلطة من أي منافس حتى لو بتصفيته جسدياً «القتل»، أو معنوياً من خلال تشويه سمعته أو اتهامه باتهامات باطلة، ومن خلال ما يسمى اليوم بـ «الذباب الإلكتروني»، الذي يعد اليوم من أوطأ الوسائل في الحفاظ على النظام السياسي واستمراره. وفي الجانبين الاجتماعي والثقافي يتمثل النظام في مجموعة العادات والتقاليد والقيم التي يحملها المجتمع، والذي يدافع عنها، بل ويستقتل من أجلها حتى لو كانت من العادات والتقاليد المضرة بالمجتمع كـ «الرمي العشوائي» في العديد من المناسبات الحزينة أو المفرحة، والذي يعدّها المجتمع وأبناؤه من قيم الشجاعة والوجاهة التي جُبل عليها منذ عقود، والتي رسخها النظام السياسي السابق، من قبيل ممارستها في استقبال الضيوف، ورفعة العلم، وغيرها من أساليب الزهو والتباهي، إذ كان رئيس النظام السابق نفسه يطلق الرصاص في الهواء عند زيارته للمحافظات العراقية، أو عند استقباله للجحافل العسكرية في استعراضات «عيد الجيش» وغيرها من المناسبات الوطنية، بحيث اصبحت جزءاً من الثقافة العراقية، التي يصعب تركها.
وعلى الرغم من انتقاد أبناء المجتمع لهذه العادات والتقاليد الضارة بالمجتمع، ولكنهم يمارسونها بشكل طبيعي تماهياً مع النظام الاجتماعي والثقافي السائد، والتي شخَّصها عالم الاجتماع العراقي «الوردي» بـ«الازدواجية» إذ يؤمنون بأنبل القيم واشرفها ولكنهم لا يطبقونها، لأنهم بذلك يحمون النظام من السقوط أو التهاوي، النظام الذي تشبعوا فيه، ومارسوه، واصبحوا جزءا منه.