البيئة وتحولات الشخصية العراقية

آراء 2021/05/31
...

  رزاق عداي
بعض علماء النفس السياسي العراقيين، يحدد ثلاث ولادات للشخصية العراقية تشكلت في حقبة الدولة العراقية الحديثة، فالاولى كانت مع البداية في مطلع عشرينيات القرن الماضي، فرغم المستوى المعاشي المتدني للمجتمع العراقي انذاك، اذ انغرزت في بنية المجتمع اعراف تسمو بوصلتها باتجاه بناء دولة حديثة.
ولو اننا اخذنا عقد الاربعينيات من القرن الماضي كعينة بنيوية لمجتمع عراقي، سنلمس بروز مؤشرات حداثية باهرة منطلقة ومتوائمة مع ولاء للدولة العراقية ومن رغبة في البناء المتفاني، الذى دعا احد الزائرين الاجانب بأن يصف الشخصية العراقية بانها وثابة وتميل الى الحداثة والتجديد، فقد برزت طبقة برجوازية صناعية ناشئة، وان كانت محدودة ولكنها طموحة، اقترنت معها طبقة عمالية واعية، ونقابات، وصحف متعددة، واحزاب، وشوارع، وكهرباء، وحصل توسع في الافق الثقافي، تجسد في ثورة جذرية في الشعر، ونشاط مسرحي، وانشغال تشكيلي متقدم. كل هذه التطورات تواشجت مع شعور انتمائي عميق، طبعا كل هذا لم يتحقق ما لم يتوفر احساس عارم بالمواطنة، متجسدا في منظومة قيمية - اخلاقية متوازنة حتمها واقع الشعور بالانتماء استمرت هذا النموذج من الشخصية العراقية المسؤولة في مؤسسات الدولة متنامية لعقود طويلة،مشكلا الجوهر الأساسي للشخصية العراقية المستنكفة من 
الفساد.
الولادة الثانية للشخصية العراقية حصلت في ما يمكن تسميته بالشخصية الحصارية - التي انبثقت مع كل مساوئ الحصار الذي خيّم على سنوات تسعينيات القرن الماضي، والذي احدث تفكيكا وتشويها في كل البنية المجتمعية العراقية وكان الفساد ابرز تجليات دوائر ومفاصل الدولة، لقد كانت هذه المرحلة تعد مرحلة تمهدية لحدوث الولادة الثالثة للشخصية العراقية بعد الاحتلال في 
2003.
لقد كان بناء الدولة في أعقاب الاحتلال هو الذي أسهم بقوة في تركيز وتكثيف السلوك اللانتمائي في الشخصية العراقية، وكان من تبدياته شرعنة الفساد وتلوّنه وتفشيه في كل مستويات الدولة.
خطاب الدولة عبر مؤسساتها في البرلمان والدستور، انتج المحاصصة المولدة للفساد بضراوة، فاشغال المناصب يجري بمعيار التحاصص والمغانمة، اما القوى السياسية التي شكلت ما يسمى بالطبقة السياسية فقد قدم اغلبها من الخارج وهي معبأة بدعوى المظلومية والتهميش من قبل النظام السابق، التي وظفت هذا الادعاء بمهارة للاستحواذ على اموال الدولة كاستحقاقات طائلة، وشرعنة للسرقة ونهب موارد الدولة، الحملة الاخيرة لمكافحة الفساد تحتاج خطوات جريئة ومقدامة من سلطات الدولة وبمؤازرة مجتمعية واسعة النطاق، لا سيما وان الفساد مغطى بغطاء سياسي 
سميك.