عقوبات المرور الوقائع والمعطيات

آراء 2021/05/31
...

  د. فاضل حسين البدراني
من لا يعرف طبيعة نظام المرور، فإنه يمثل صلب القانون الذي يجسده رجل المرور عنما يتواجد في الشارع ببدلته الأنيقة، وحركات لغة الإشارة التي يتعامل بها، لتطبيق القانون وفرض النظام، ونشر الوعي بين المواطنين، وصناعة السلوك الحضاري بين المواطنين، لذلك هو نظام إنساني مرن، فلسفته خدمة الانسان، بآليات جديدة بعيدة عن العقوبة والردع.
وبخلاف ذلك فقد يتحول نظام المرور الى أسلوب تعامل قهري وردع مؤذ منفر في الشارع الذي يتواجد فيه كل أبناء المجتمع، بحيث يتحول شرطي المرور الى عنصر للجفاء والعقوبة ضد المواطنين، لذلك يخطأ من يؤمن بنظرية العقوبة والردع سبيل لتطبيق القانون، والفلسفة المأمول منها عند تطبيق القانون، هو لتأمين السلامة للجميع وحماية الأرواح والممتلكات، وضبط حركة السير؛ وفي أنظمة مرور عالمية متطورة فكريا، فإن جهاز المرور يلجأ الى محاولة التوازن بين الغرامة وإجراءات نشر الوعي، على أن الشق الأخير هو الستراتيجية التي يعمل عليها كونها حامية للمجتمع، ومكملة لتحقيق أهداف تربوية وسلوكية إيجابية عدة.
وفي بلادنا «العراق» هناك جملة مؤشرات نود طرحها أمام مديرية المرور العامة، وكل ضباط ومنتسبي المرور الذين يتواجدون في الشارع بهدف ضبط السير، والالتزام بالقواعد المرورية، فقانون المخالفات المرورية رقم «7» لسنة 2019 الذي يفرض غرامة «200» الف دينار وتتضاعف الى «400» الف دينار في حال عدم التعجيل بدفعها، على مخالفات حددها من بينها السير المعاكس، أو التي سميت بــــ «الرعونة» نرى أن التوصيف للمصطلح فيه قسوة ويحتاج الى استبداله بأفضل منه لفظا ذوقيا، كما أن الجانب الإجرائي يذهب باتجاه عقوبة ليست رادعة فحسب، بل تحولت بحكم طبيعة التعامل بها من قبل شرطة المرور ضد المواطن، الى خطوة سلبية غير متفهمة ولا مستوعبة لطبيعة المؤثرات النفسية والاجتماعية التي يعاني وطأتها المواطن، بل غابت عنه مسؤولية دراسة وفهم واقع مجتمعنا الذي يمثل نتاج حروب ومعاناة وحرمان وأحزان، وفقر وخوف وإرهاب وتشظ، بكل حالات التمزق، لذا ومن وجهة نظري مع كل التقدير لدور جهاز المرور ومسؤوليتهم الوطنية، فإنهم تحولوا الى موظفين لجباية الأموال، ورفد موازنة الدولة بمبالغ كبيرة، لكن لو سألنا من أين أتت هذه الأموال سيكون الجواب، أنها جاءت من عقوبات المرور للمواطنين؟ وبطبيعة الحال فإن هذه الأساليب وصيغ التعامل، تبعدان المواطن عن الوعي والتحضر، إدراكا من أن خطوة بناء المجتمع تبدأ من المعلم وشرطي المرور والشرطة المجتمعية، فإذا تحول المرور بحكم القانون رقم «7» الذي صوت عليه البرلمان العراقي في 2019 الى عنصر عقوبات مالية ضد المواطنين. ولكننا كجهات تعليمية وإعلامية وتربوية نمارس دورا رقابيا لتقييم الأداء، نرى بأن إجراءات المرور الأخيرة غير سليمة، وابتعدت عن مسؤولية بناء وعي الإنسان، فالعقوبة الصارمة تهدم القيم ولا تنميها، وعملية استبدال مسؤولية بناء الوعي بالمال تحتاج لإعادة النظر فيها، بل تحتاج لقانون يرتقي بالوعي المروري عبر استبدال العقوبة المالية بـ «خدمة المجتمع»... فالأمم المتحضرة سلكت مؤسساتها ذات الاحتكاك بالمواطنين جانب الوعي والاستقرار النفسي، والتحلي بالقيم كونها السبيل الوحيد للامتثال للقوانين، لأن العقوبة نتاجها التمرد، وجمع المال لا يبني عقولا، ولا يعزز قيما اجتماعية، بدليل أن الفاسدين في مجتمعنا امتلكوا المال، لكنهم خسروا القيم، وفقدوا احترام المجتمع لهم. ونحن في القرن الحادي والعشرين لم نعد نسمع برؤى مرورية، تتجه بذهنية المواطن نحو ثقافة الامتثال للقوانين، ومن ذلك التحفيز النفسي بتكريم المواطنين الذين لم تطلهم عقوبات المرور ضمن مدد محددة بـ «جوائز تقدمها شركات راعية» بيوم المرور، يتم التنسيق معها، أو في الأعياد الوطنية، أو اسقاط العقوبات عن السائق الذي يظهر سجله خاليا من العقوبات لوقت طويل. لكن ابتكار تضخيم العقوبة في هذا الوقت إنما هو سقطة كبيرة وسوء فهم لنظام
 المرور.