السمّو النفسي والوعي السياسي

آراء 2021/06/01
...

  حسين الصدر
متى ما ظفرت بصاحب نفس كبيرة، تعبق بالصفاء، وتمور بالنقاء، ويغمرها الحبُّ ، تجد أنه يتعالى على كثير مما يمارس بحقه من قبل الذين لا يتمتعون بأية حصانة أخلاقية، أو لياقة اجتماعية، وانما يكون دأبهم التطاول والايذاء، وإثارة الفتن، واصطناع ما يوجع من الأفعال والأقوال.
- 1 - 
وقد وصف الشاعر ما يعتمل في نَفْسِ (الأصيلِ) حين يصطدم بما يفعله (اللئيم) فقال:
ولقد أَمرُ على اللئيمَ يسبنِي 
فأعف ثم أَقوُلُ لا يعنيني
وفي هذا السمّو والترفع حكمةٌ بليغة مِنْ شأنها أنْ تجعل اللئيمَ يرتد خائباً ذليلاً يعلك فَشَلَهُ في ما أراد.
ليس مِنْ شأن الكريم أن يتصارع مع اللئيم في قولٍ أو فعل، فليس ثَمةَ مِنْ تجانس او تماثل بينهما على الاطلاق.
واللئيم لا بُدَّ أنْ يصطدم بأمثاله من اللؤماء وعندها يدفع الثمن.
نعم 
إنّ الخلق العالي انما هو هاله وضّاءة تُحيط بأصحاب النفوس الطيّبة، التي تستبعد في مساراتها كُلَّ الخياراتِ البعيدة عن الكياسة والرزانة. 
 
- 2 - 
ويدعو شاعر آخر الى التعالي عن الضغائن والأحقاد فيقول:
كنْ كالنخيلِ عن الاحقادِ مرتفعاً 
يُؤذَى بِرَجْمٍ فَيُعطي خيرَ أثمارِ 
واصبْر اذا ضقَتَ ذرعاً والزمان سَطَا 
لا يَحْصَلُ اليسرُ الاّ بَعْدَ إعسارِ 
وهنا يكون الردّ على المسيء بالاحسان، وتُستقبل الشدائد والتحديات الصعبة بالصبر،
وهيهات أنْ يدوم الحال على نفس المنوال،
فبعد كُلِّ شدّةٍ لا بُدَّ ان يأتي الفَرَجُ، وبَعْدَ كُلِّ ضِيقٍ وعُسرِ لا بُدَّ أنْ يأتي اليُسْر.
 
- 3 - 
إنَّ مشكلة اللؤم تَنْعَكسُ أسوأَ انعكاسٍ في مضمار العمل السياسي، ومن هنا ترى أنَّ بعض محترفي السياسة يبالغُ في تقديم نَفْسِه الى الناخبين، حين يرشح نفسه بأنه الممثل الأمين لمصالحهم والمخلص الجاد لتنفيذ مطالبهم، فاذا ما فاز في الانتخابات قال – وبلسان الحال: كنتُ أمثّل عليكم!.
يعني أن مسرحية التظاهر بالحرص على الخدمة انما كان فيها مُمثّلاً مُتْقِنا لفنون التمثيل بارعاً فيه!.
فاذا أُسْنِدَتْ اليهِ السلطةُ قال – وبلسان الحال:
أنا أمثّلُ بكم!
واذا كان هذا حال المحترفين السياسيين، فكيف يجب أنْ يكون حال الناخبين؟
لا بُدَّ من الاصرار على تحكيم المعايير الموضوعية التي تعتمد الوطنية الصادقة والكفاءة والخبرة والنزاهة، بدلاً من الوقوع في فَخِّ الخُداع والتضليل أو تقديم الروابط والعلاقات الشخصية على تلك المعايير الموضوعية والاّ فلن ينجو الوطن المُثْخَنُ بالجراح مما يعانيه مِنْ أعباء ومشكلات وأزمات.
وهنا يتميّز الواعون عن غيرهم، والأملُ معقود على العراقيين الواعين المخلصين في جعل الانتخابات النيابية القادمة منعطفا بين مرحلتين:
مرحلة ساد فيها الفساد واضطربت الموازين، ومرحلة استعاد فيها الوطن فيها عافِيَتَهُ وتنفس فيها المواطنون الصُعداء بعد طول مرارة 
وعناء.