عدا الدمار.. هل حقق الجيش الاسرائيلي شيئاً؟

آراء 2021/06/01
...

 باتريك كنغزلي ورونن بيرغمان
   ترجمة: أنيس الصفار   
في مركزين رئيسين من مراكز قيادة الجيش الاسرائيلي جلس الضباط الذين قادوا الهجوم على غزة لتقييم ما يعتبرونه انجازاتهم المتحققة من المواجهة الأخيرة مع حماس. ولكن بعد الاعلان عن وقف اطلاق النار، بعد اكثر من 10 أيام من المعارك أسفرت عن مقتل 230 فلسطينياً و12 اسرائيلياً على الأقل، الى جانب تدمير المستشفيات وغيرها من البنى التحتية في غزة، كان الشعور السائد في القاعدتين متضارباً.
ففي تل أبيب كان الجنرالات العسكريون يتكلمون بنغمة الانتصار، أما في بئر سبع، حيث تابع القادة فصولا مهمة من الحملة الاخيرة على غزة، فقد ساد تحفظ أكبر
وحذر.
منذ ان سيطرت حماس على غزة في العام 2007 شنت اسرائيل ثلاث هجمات كبيرة بهدف اضعاف القدرات العسكرية للحركة، فإذا بها ترى اليوم أن حماس قد اعادت بناء قدراتها وانها لم تصب من النجاح إلا أقله في تغيير الموقف.
بيد ان رئيس الوزراء «بنيامين نتانياهو» توعد بأن تكون هذه المرة مختلفة.
على هذا الاساس انطلق قادة الجيش الاسرائيلي، وهم مسلحون بخطط حربية موسعة، في استهداف ممنهج لقائمة من الاهداف محاولين انزال اقصى الاضرار بقيادات حماس وقدراتها العسكرية، رغم هذا يقر العسكريون الاسرائيليون من قمة الهرم بأن مساعيهم ربما لن تفلح في منع جولة اخرى من القتال، وان هذه الجولة قد لا تتعدى المستقبل 
القريب.
يعبر بعض الاسرائيليين عن الرضا لما تحقق من اضعاف لحماس، لكن هناك آخرين يترددون كثيراً في ابداء الرضا، حيث يعتقد ضابط رفيع المستوى من قاعدة بئر سبع ان نجاح هذه الحرب في درء معارك اخرى مستقبلاً ليس 
مؤكداً.
يقول ضابط اسرائيلي ثان رفيع المستوى من بئر سبع إن حماس والمنضوين تحت لوائها لا يزالون يمتلكون نحو 8000 صاروخ وعدة مئات من قاذفات الصواريخ، وهذا يكفي لخوض معركتين 
اخريين.
ويضيف: «لا أعلم بالضبط.. ولكننا نحتاج الى مزيد من الوقت لتحليل ما اذا كنا قد حققنا نجاحاً فعلياً».
اثيرت في اسرائيل والولايات المتحدة واماكن اخرى تساؤلات تتعلق بتناسب الرد الاسرائيلي مع هجمات حماس الصاروخية وتوافقه مع القانون 
الدولي.
كذلك فإن الحرب متى ما انتهت ستبقى أسبابها التي أوقدتها.
هذه الحرب كانت لها ايضاً كلفتها على اسرائيل لأنها صعدت وتائر الانتقاد لسياساتها بين أعداد متزايدة من الديمقراطيين في الولايات
 المتحدة.
اسرائيل، شأنها شأن الولايات المتحدة، تعد حماس جماعة ارهابية، لذا فرضت حصاراً خانقاً على غزة لمنع دخول المواد التي تحتاج اليها الحركة لصنع الاسلحة.
وحماس من جانبها ترفض الاعتراف بوجود اسرائيل، وهي من خلال اطلاقها الصواريخ على بعض المناطق الاسرائيلية انما تحافظ على صورتها كمدافع عن الفلسطينيين، خصوصاً عند مقارنتها بمنافستها السياسية حركة 
فتح.
في معاركها السابقة مع حماس حاولت اسرائيل تدمير ما أمكنها من اسلحة الجماعة لكي تكسب بضع سنوات من «الهدوء» حسب تعبير الاسرائيليين.
بيد ان مفهوم «الهدوء» بالنسبة للفلسطينيين قد ضاع معناه منذ أمد بعيد، حيث يقول كثير منهم إن حياتهم لم تعد هادئة أو سهلة تحت الاحتلال والحصار حتى لو لم تكن هناك حرب.
واليوم يختلف حتى الضباط الاسرائيليين الكبار مع بعضهم في ما إذا كانت الحرب الأخيرة ستمنع وقوع مزيد من التصعيد على المديين القريب او 
المتوسط.
قتل أكثر من 230 مدنيا في غزة بينهم 65 طفلاً، ودمرت بنى تحتية مدنية ونظام الصرف الصحي وأنابيب المياه وتضررت 17 مستشفى وعيادة على أقل تقدير ودمرت نحو 1000 بناية واضرار اخرى غير ذلك.
عند أخذ المسألة بالمنظار العسكري البسيط فإن العسكريين الاسرائيليين يعتقدون أنهم حققوا خلال 50 ساعة من العمليات ما لم يتحقق في 50 يوماً من العمليات في 2014، ولكن حتى القيادة العسكرية الاسرائيلية تعد الحملة العسكرية الأخيرة فوزاً قصير الأمد لأن عوامل النصر على المدى البعيد، وكذلك مدى تقيد اسرائيل بالقانون الدولي خلال العمليات، عرضة للتساؤل 
والشك.
يعتقد «أيمي آيالون»، وهو ادميرال متقاعد وقائد سابق للبحرية الاسرائيلية، ان ما حققته الضربات الجوية ليس اكثر من «هدوء زائف» لأن القضايا الاساسية التي قادت الاسرائيليين والفلسطينيين الى التصادم، مثل عدم وجود دولة فلسطينية ذات سيادة وفرض الاحتلال العسكري على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وحصار غزة لا تزال كلها قائمة لم 
تعالج.
العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في غزة ألهب غضب الفلسطينيين في اسرائيل كما أثار موجة سخط دولي، وقد عزز هذا كله شرعية حماس في أعين بعض الفلسطينيين وجعل آمال مواصلة محادثات السلام اكثر بعداً، ناهيك عن التوصل الى اتفاق نهائي بين اسرائيل 
والفلسطينيين.
رغم ان التشريعات الدولية تسلّم بأن تضرر المدنيين والبنى التحتية المدنية القريبة من أهداف عسكرية أمر لا مفر منه فإن القانون ينص على ان الاذى الواقع على المدنيين، يجب ان يكون متناسباً مع الفائدة العسكرية المتوخاة من الهجوم.
بيد أن المنتقدين يشيرون الى ضربات، مثل تلك التي اودت بحياة 12 فرداً من عائلة أبي عوف، خلال مهاجمة ما يدعي الجيش الاسرائيلي انه قاعدة عسكرية تحت الارض بالقرب من منزلهم، كدليل على ان عدد المدنيين الذين قتلتهم اسرائيل كان مرتفعاً ولا يتناسب مع الفائدة العسكرية التي حققتها 
الضربة.
تتهم اسرائيل ايضاً بضرب اهداف لا يمكن وصفها بأنها مواقع عسكرية وبالتالي تكون مشروعة.
فعندما اصابت قذيفة اسرائيلية بناية سكنية في غزة وأودت بحياة عدة اطفال صغار من أسرة الحديدي بررت اسرائيل هجومها بالقول ان عنصراً من المتشددين رفيع المستوى يقيم في المبنى ذاته.
يتذرع الاسرائيليون ايضاً بأن حماس تخفي قادتها وصواريخها داخل المناطق السكنية، لذا فإن اي موقع يستهدف سيكون بطبيعة الحال وسط الاهالي المدنيين، ولكن جنوداً اسرائيليين سابقين يعدون هذه الذريعة تجاوزاً على تعريف «الهدف العسكري»، على حد تعبير «إيهود شاؤول» الذي كان رقيباً أول في الجيش ومن مؤسسي جماعة «كسر الصمت» التي شكلها جنود اسرائيليون سابقون يقودون حملة ضد ما يصفونه بانتهاكات الجيش
 الاسرائيلي. 
 
عن صحيفة نيويورك تايمز