المدنيّة ومراحل التطوّر البشري

آراء 2021/06/01
...

  ريسان الخزعلي
 
عند الحديث عن «المدنيّة» وطريق الوصول إليها، لا بدَّ من معرفة المراحل التي مرَّ بها التطوّر البشري كي يكون التوصيف، توصيف المدنية، في التصوّر الحقيقي للمعنى والدلالة على السواء، وبالتالي يمكن القول بأنَّ المرحلة التي يعيشها مجتمع ما: مدنيّة أو غير ذلك.
يُعرّف علماء الاجتماع المدنية في بُعدها الإنساني، بأنها مجموعة الصفات الوديعة الفاضلة التي يحملها الإنسان ويعكسها من خلال تعامله مع الآخرين. أما في البُعد الآخر، فإنها تعني الظواهر الماديّة والأخلاقية التي تُميّز المجتمعات الحَضَريّة والصناعية المتطوّرة مع ملاحظة الفارق بين مفهومي الحضارة 
والمدنية.
إنَّ المراحل التي أشرنا إليها، أي مراحل التطوّر البشري، هي: مرحلة التوحّش، مرحلة البربرية، مرحلة المدنيّة. ويخبرنا تاريخ علم الاجتماع بأنَّ مرحلة التوحّش تبدأ منذ نشوء الحياة الإنسانية على الأرض، التي تميّزت بظهور مهنة الجَمع والصيد ولغاية ظهور المرحلة البربريّة التي تميّزت في بداية النشوء: بتأنيس وتدجين الحيوانات، اكتشاف البذور واستعمالها في الزراعة التي مهّدت الاستقرار البيئي والجغرافي، اختراع الفخار، وصولاً إلى حالة أكثر تطوّراً، إذ تم اكتشاف الحديد الذي أُستخدم في صناعة الأدوات والآلات التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية. أمّا المرحلة المدنية فقد بدأت حينما عرف الإنسان الحروف واستخدمها في الكتابة، وما تبعها من تطوّرات في التعليم والمعرفة والبناء ونمو تسارعي في المبتكرات على مدى حقب زمنية تمتد إلى آلاف السنين وصولاً إلى القفزات العلمية والتكنولوجية في عصرنا 
الراهن.
من خلال هذا العرض الموجز عن مراحل التطوّر البشري، نجد أنَّ مرحلة المدنيّة ترتبط بالتعليم نشأة وتكويناً واستمراراً. والتعليم هذا، هو الحجر الأساس الذي يرتكز عليه البناء المجتمعي، ماديّاً وأخلاقياً. مادياً، في القدرة على ايجاد طاقات علمية وفنية وادارية تأخذ على عاتقها ايجاد البنى التحتية الجديدة، التي تعكس الوجه المديني، وإخلاقياً حيث التهذيب الذي يوصِل إلى الصفات الوديعة 
الفاضلة.
من هنا يكون الاهتمام بالتعليم وبجميع مراحله ومستوياته، ضرورة حتمية ملزِمة، ومن دون هذا الاهتمام، سنواجه تراجعاً حاداً في المرحلة الأخيرة من مراحل التطوّر البشري، ألا وهي مرحلة المدنيّة.