ضحى عبدالرؤوف المل
تستجوب الأعمال الأدبيَّة في معظمها الإنسان، وتنقله الى التفكير المجرد بالمعرفة البشريه بعيداً عن المشخص. لتبقى الحالة الذهنيَّة في عصفٍ يؤدي الى بناء نظريات يتبناها البعض، وتدفعهم الى التطوير والخلق والإبداع الذي يستحق الكثير من التساؤلات المبنية على أسسٍ علميَّة في الاستنباط المؤدي الى نظريات تؤدي الى خلق مبادئ ذات مغزى تنير العقول، وتستنير بها النفوس بعمق وجداني يرفع من مستوى الإدراك بتفاعل تختلف من خلاله المشاعر باختلاف قوة التعلم والانتباه للتوقعات والمشكلات والحلول، بطرق وأساليب مختلفة تختلف من كاتب لكاتب تبعاً لمجتمعه، وما يحدث فيه أو من مجتمعه سابقاً، وما حدث فيه مثل رواية «العمى» لجوزيه ساراماغو رغم أنَّ التغيير الاجتماعي مرتبطٌ بعلم له أسسه ودوافعه. إلا أنه أدبياً مرتبط بالعمل الأدبي، وقدرته على نقل الأفكار التجريديَّة بتؤدة بعيداً عن المشخص، لتكون الرواية أو القصة أو النص الأدبي هي الفكرة المجردة التي يُلبسها الكاتب أفكاره، ويضعها كمعادلة لحالة ذهنيَّة بين يدي المتلقي.
فهل يمكن أنْ تتغير المجتمعات من خلال الأدب؟
بعيداً عن الرواية الاجتماعية، فالأدب هو لخدمة الإنسانيَّة، ولتصحيح المسارات البشريَّة ووضعها ضمن القدرة على توليد طاقات فكريَّة تنير وتستنير، بما تحمله من قيمٍ أو من رؤية تقدم للمجتمع رؤية بناءة تغزو العالم في زمن الحداثة التقني، حيث بات الأدب يشق طريقه وفق التقنيات السائدة والصدى المؤثر له من خلال الكثير من الدراسات والنقد والروايات والقصص والنصوص المسرحيَّة التي تكافح بدورها في مجتمعات سادت فيها الأمراض والعزلة المدفوعة بخوف أنتج عنه الكثير من الأعمال الأدبيَّة والفنيَّة التي وضعتنا وجهاً لوجه أمام الأزمة من الكورونا الى غلاء المعيشة وصولاً الى التلوث الجرثومي المقترن بافتقار الوعي. إلا أننا قادرون على التغيير المجتمعي والدفاع عن الأدب من خلال الأدب نفسه الذي يقوم بحمل القيم الأخلاقية، وبثها في مجتمعٍ ينزلق نحو التدهور الأخلاقي، وفقدان قوة الخطاب كعنصر مؤسس لأدب بعيداً عن التشاؤم.
فهل حملت «شيفرة دافنتشي» رؤية اجتماعيَّة من خلال الأدب؟ وهل السرياليَّة في أدب ما بعد الحداثة هي هروبٌ من الأفكار المجردة الملامسة لنظريات علميَّة في الأدب؟
قد يكون كلامي غريباً. لكنَّ ما يحدث من خلط للأوراق في المجتمعات كافة هو عودة الى دور الأدب في تغيير المجتمعات وصقله، وحتى منحه مكانة تاريخيَّة جديدة يمكن الاعتماد عليها في تكوين الخطاب المجتمعي القادر على منح الإنسان هوية مجتمعيَّة جديدة (ما بعد الكورونا) هي بمثابة ولادة جديدة للأدب القادر على تكوين مجتمع إنساني غير بهيمي (يعتمد على الخبز فقط) ألم يقل السيد المسيح: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»؟ وهذا القول للسيد المسيح هو قمة البلاغة في حياة الأدب خاصة وولادته الجديدة بعد الثورة العلميَّة، والثورة التقنيَّة البرمجيَّة التي وضعتنا أمام تقنيات جديدة تخدم الأدب في خلفيتها، بل وجعلته قادراً على الانتشار بقوة من خلال التواطؤ بين الأدب والعلم والتقنيات الجديدة والعصر الذي يثور على كل قديم حتى ليقال عن ما بعد الحداثة الجنون العصري لأدب مجهول ما زال يتكون من نظريات لا أسس لها وإنْ حاول البعض وضع النظريات المختلفة. فهل من أصالة في أدب ما بعد الحداثة؟ وهل سنشهد على التغيرات الاجتماعية من خلال الأدب والفن معاً؟ وهل سنكتفي بالأفكار التجريديَّة والعصف الذهني في الأدب؟
إنَّ التوترات الحاصلة في المجتمعات العربيَّة والغربيَّة تفرض علينا وضع منظومة أدبيَّة لمواجهة التغيرات بالأدب ومفهومه المعزز بالقيم الإنسانيَّة، القادرة على مواجهة العزلة بأدب هو لتطهير العقول من الأفكار السوداويَّة والانعزاليَّة والتدميريَّة، وحتى العقول التي تستهزئ بالأدب وتؤمن بعدم قدرته على مواكبة التغيرات الهشة واستبدالها بتغيرات تغذي النفوس قبل العقول، ليصبح الإنسان في المجتمع الجديد مُحصناً من التلوثات الذهنيَّة التي تشوه الحياة. فهل من أدب جديد يولد حالياً هو بمثابة الخبز الفكري الذي يغذي المجتمعات؟