الانتخابات الايرانيَّة: عن أي استحقاقٍ نتحدث؟

آراء 2021/06/02
...

 محمد صالح صدقيان 
     تفاجأ الوسط الداخلي الايراني والاقليمي بقائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية الايرانية، التي اصدرها مجلس صيانة الدستور والتي استبعدت شخصيات مهمة امثال علي لاريجاني مستشار المرشد الايراني الاعلى واسحاق جهانغيري النائب الاول للرئيس الايراني، والرئيس الايراني السابق محمود احمدي نجاد، في الوقت الذي ثبتت صلاحية رئيس الجهاز القضائي ابراهيم رئيسي؛ وامين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي؛ والنائب علي رضا زاكاني؛ والنائب قاضي زادة هاشمي؛ اضافة الى شخصيتين قريبتين من الاصلاحيين هما محسن مهر علي زادة معاون رئيس الجمهورية السابق لشؤون الرياضة والشباب؛ وعبد الناصر همتي محافظ البنك المركزي. 
 الانتقاد الواسع كان لمجلس صيانة الدستور الذي منحه القانون صلاحية النظر في كفاءة وصلاحية المرشحين للسباق الانتخابي الرئاسي الذي بلغ عددهم 592 مرشحا على خلفية اقتصار اسماء المرشحين السبعة على لون واحد وعدم اعطاء الفرصة لمرشحين اخرين ينتمون لألوان اخرى وتحديدا للتيار الاصلاحي. 
لا أريد الدخول في مبررات مجلس صيانة الدستور لاختيار هذه الاسماء دون غيرها؛ ولماذا استبعدت شخصيات وازنة امثال لاريجاني او جهانغيري؛ لكن الشعور السائد ان ذلك ربما يؤثر في نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات؛ او انها تسهم في افتقاد عنصر المنافسة المطلوبة في العملية الانتخابية؛ لكن ما افهمه من سياقات الحالة السياسية السائدة في البلد والاولويات التي يضعها النظام لصون الوحدة الوطنية واستقلال الارادة السياسية، جعلت عدة عوامل على طاولة مجلس صيانة الدستور الذي يتشكل من ستة حقوقيين، يتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة القضائية ويوافق عليهم مجلس الشورى البرلمان اضافة الى ستة فقهاء في الشريعة يعينهم المرشد الاعلى. 
هذه العوامل تتغير بتغير التطورات التي تواجه البلد. في المرحلة الراهنة هناك عدة عوامل ستراتيجية اخذ بها مجلس صيانة الدستور او تأثر بها - على اقل تقدير - منها ان ايران تمر بظروف حساسة تتعلق بمصير الاتفاق النووي وامكانية احياء هذا الاتفاق من خلال المفاوضات الجارية حاليا في العاصمة النمساوية فيينا، ومدى امكانية عودة الولايات المتحدة لطاولة 5+1. العامل الاخر هو مستقبل العلاقة مع الدول الغربية وتحديدا مع الولايات المتحدة، استنادا الى تجربة مريرة خاضتها ايران مع هذه الدول ليس منذ التوصل للاتفاق النووي عام 2015 وانما على طوال العقود الاربعة الماضية، بل ربما يرجع الى سبعة عقود اي منذ ثورة الزعيم الايراني محمد مصدق عام 1953 وتدّخل جهاز المخابرات المركزية الاميركية في اسقاط مصدق وعودة شاه ايران للحكم. العامل الثالث التحديات الامنية المتزايدة التي تواجه ايران. العامل الرابع المشكلات الاقتصادية التي اولدتها المقاطعة الاقتصادية الاميركية وما تبعها من نمو حالات فساد لا يمكن المرور عليها مرور الكرام في الاقتصاد، التي تحتاج الى جهد غير طبيعي لمواجهتها.
ربما لا تكون هذه العوامل لوحدها كافية ومقنعة للقيام بتخريج العملية الانتخابية كما هي الان، لكن في نهاية المطاف هي قناعات مجلس دستوري اخذ على عاتقه النظر بصلاحية المرشحين وفقا لقراءاته ومعطياته القانونية والامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. هل انه حاول هندسة الانتخابات وفق مسارات محددة ؟ لاادري! لكن ربما يكون ذلك لمصلحة عليا يراها ذلك خصوصا وان المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كد خدائي قال انه لم يتم النظر للمرشحين على اساس حزبي وانما على اسس حددها القانون بغض النظر ان كان المرشح ينتمي لهذا الجناح او ذاك؛ علما ان القانون الايراني في الانتخابات لايستند الى حالة الانتماء الحزبي او الى اساس قائمة انتخابية حزبية، وانما على اساس فردي لان المرشح يمثل كل المناطق الايرانية.
ما اميل له من تفسير لموقف المجلس الدستوري هو التزامه برغبة النظام في اجراء انتخابات هادئة، لا يتم تكرار ما حدث في انتخابات عام 2009 لمواجهة الاستحقاقات الامنية والاقتصادية التي تواجه النظام، خصوصا ان امام ايران استحقاقات جمة ستراتيجية تؤثر في مستقبل النظام. 
المؤشرات الاولية تشير الى أن «النسر الرئاسي» سيقف متربعا على كتف المرشح ابراهيم رئيسي وهو ما يعطي فرصة لتوحيد مصادر القرار. فالبرلمان الذي تسيطر عليه الغالبية الاصولية المحافظة ستكون منسجمة مع الرئيس العتيد؛ اضافة الى بقية مصادر القرار في مجلس خبراء القيادة؛ ومجمع تشخيص مصلحة النظام؛ والتشكيلة الوزارية والمؤسسات العسكرية والدينية، وبذلك يمكن خلق مجموعة عمل منسجمة خالية من المنغصات السياسية والحزبية. 
في مثل هذه الحالة وان تكن ثقيلة على المسار السياسي العام، الا أنها قادرة على تجاوز هذه المرحلة باقل الخسائر والمخاطر. تبقى قضية امكانية اقناع بقية الاوساط السياسية، فهذا يعتمد على حكمة الرئيس الجديد في اختيار مسارات ناجعة لمشكلات البلد الداخلية والخارجية وطرح معالجات جادة لمشكلات المواطنين اليومية والحياتية المستعصية في عديد الحالات.