انتفاضات «الربيع العربي» بعد عقد على اندلاعها

آراء 2021/06/02
...

  عبد الحليم الرهيمي
مضى عقد من الزمن، على اندلاع حراك «التظاهرات - الانتفاضات – الثورات» التي اطلق عليها «الربيع العربي»، والتي كانت شرارتها الاولى إقدام المواطن التونسي بائع فواكه على احراق جسده، بسبب إهانته وضربه ومصادرة بضاعته من قبل احد موظفي الدولة. 
ومنذ بدء انتفاضة تونس التي اشتعلت بنيران جسد هذا المواطن «البو عزيزي» في 17 كانون الاول 2010 «توفي في 4 كانون الثاني 2011» والتي انتفض الشعب التونسي بأسره، متعاطفاً مع هذا المواطن ومستنكراً لنظام حكم الرئيس زين العابدين القمعي، الذي هرب الى الخارج بعد اسبوعين من اندلاع الاحداث، التي حظيت في الوقت نفسه على تعاطف وتأييد شعوب المنطقة لها التي تحكم بأنظمة قمعية اذ امتدت تلك الانتفاضات، لتشمل كلا من مصر والبحرين واليمن وليبيا وسوريا، والتي تتطلع شعوبها للحرية والديمقراطية الكرامة والخبز والصحة والتعليم وفرص العمل.
هذه الاحداث المفصلية في تاريخ شعوب هذه البلدان، مثلت صدمة غير عادية لها وسلطت الاضواء على القوة الكامنة القابلة للانفجار لدى تلك الشعوب.. لأهميتها التاريخية تلك ودلالاتها وما ترتب، وسيترتب، عليها من آثار ودلالات جرى تناولها باهتمام كبير داخل هذه البلدان وفي معظم البلدان العربية الاخرى بعشرات الدراسات والبحوث والمقالات، والتي أبرزت التعدد الكبير في الافكار والمواقف والرؤى، حول واقع وآفاق ودلالات هذه الانتفاضات وهي الاراء والمواقف التي يمكن اجمالها باتجاهين رئيسين: احدهما ان هذه الانتفاضات فشلت في تحقيق التغيير الذي كانت تسعى لتحقيقه، وانها مجرد هبة مؤقتة لا أكثر وبذلك يغمط حق شعوب بلدانها بالتطلع والسعي، وحتى التضحية من اجل التخلص من أنظمة قمعية واستبدادية تحكمها وتقرر مصيرها بدلاً عنها، بينما يرى الاتجاه الاخر، وبنظرة جادة وعميقة، موضوعية اندلاع تلك الانتفاضات ومشروعيتها، وبالتالي اهميتها في تحريك الاوضاع «العصية» على التغيير التي اوجدتها أنظمتها السياسية الاستبدادية.
هذا الاتجاه الذي يقلل من شأن الانتفاضات واهميتها بتقزيمها وتسطيح اسباب ودوافع اندلاعها واهدافها، يحملها ايضاً مسؤولية اخطاء المسارات السياسية التالية في بلدانها، ومن الآراء التي طرحت على هذا الصعيد هي ما ذهب اليها الكاتب السوري هاشم صالح مثلاً في كتابه «لماذا يشتعل العالم العربي؟» بقوله: «لا ربيع عربيا ولا يحزنون..» وفي تبريره لذلك يشير الى «ان كثيرين هللوا للربيع العربي وعلقوا عليه الآمال وأنا منهم، لكن ذلك اسفر عن سيطرة الاخوان والسلفيين على الشارع، ويتساءل فهل الاصولية الدينية هي ربيع عربي؟» لكن من دون أن يوضح مسؤولية الانتفاضات الشعبية عن ذلك!، ويرى كاتب آخر ان شعارات هذه الانتفاضات في الديمقراطية والحرية وغيرها ليست من هموم الناس الذين يريدون الخبز اكثر منهما!.
كذلك، يعتقد كاتب آخر «بفشل الربيع العربي» بالقول إنه: كان مفترض لتلك الانتفاضات ان تقلب المعادلة العربية وتجعل من شعوبها يمتلكون حريتهم وعقلهم، لكنها جعلت منهم هذه المرة اداة بيد المشاريع الداخلية والخارجية.. وهذا كلام لا دليل عليه ويفتقد الى الموضوعية!.
اما الاتجاه الاخر في رؤية وتقييم انتفاضات الربيع العربية، فكان اكثر تفهماً واكثر عمقاً في تحليله وتقييمه لاسباب ومبررات هذه الانتفاضات واهمية دلالاتها وآفاقها التاريخية، ففي حوار مع صحيفة عراقية حول هذه الانتفاضات يقول الكاتب الفلسطيني «حسن خضر» مثلاً إن: انتفاضات الربيع العربي هي أنبل وأفضل ظاهرة في تاريخ العالم العربي. لذلك يدعونا لتذكر ما حصل في الميادين والساحات الرئيسة في عواصم البلدان التي شهدت هذا «الربيع».
إن ما حصل من تطورات سلبية في بعض هذه البلدان خلال وبعد الانتفاضات لا تتحمل مسؤوليته الانتفاضات ذاتها، انما القوى المعادية لها من داخل السلطة ومن داخل المجتمع في الوقت نفسه، اضافة لأخطاء غير مقصودة مارستها بسبب عفويتها ربما وضعف خبرتها، والتي لا يمكن أن تقلل او تلغي اهمية قيام تلك الانتفاضات.
وكما ان حراك – تظاهرات – انتفاضة تشرين العراقية 2019 لم تتمكن من تحقيق اهدافها المعلنة طيلة نحو عامين، فإن ذلك لا يقلل بالتاكيد من اهميتها ودلالاتها التاريخة وما أحدثته من تغييرات سياسية واجتماعية وفكرية في وعي المجتمع.. وهي بذلك تشكل «بروفه» او مقدمات ضرورية لتحقيق اهدافها في مراحل 
لاحقة. 
وكما ينقل عن كارل ماركس قوله بعد الهزيمة الدموية لكومونه باريس عام 1871 على يد الطبقة الحاكمة آنذاك، إن: مأثرة الكومونه العظيمة رغم هزيمتها هي في قيامها بالذات، فيمكن ان نقول ان مأثرة «انتفاضات الربيع العربي» هي في قيامها بالذات، وتماماً يمكن القول بمأثرة «انتفاضة تشرين 2019 بالعراق هي قيام هذه الانتفاضة 
بالذات!».