د. كريم شغيدل
خلاف على مبلغ قدره ألف دينار، يتطور إلى نزاع مسلح يودي بحياة شاب بريء لا علاقة له بالأمر، وعلى خلفية ذلك ينشب نزاع مسلح آخر يذهب ضحيته شاب آخر، وهو عائد إلى أسرته بعد عناء يوم من الكد على ظهر دراجته التكتك، وسبعة جرحى بضمنهم امرأة وشرطي مرور، خلاف آخر على حادث بسيط يذهب ضحيته شاب وامرأة ليسا طرفين في المشكلة، خلاف آخر يذهب ضحيته خمسة أشخاص، وقد تصل الأعداد إلى العشرات، ومن دون رادع قانوني أو عرفي، ومن دون وازع أخلاقي أو شرعي، ومن دون رقابة أو إجراءات أمنية
حقيقية.
تلعب النزعة القبلية، لا سيما في مجتمعات أطراف بغداد، دوراً أساسياً في سن القوانين وإشاعة روح الانتقام والثأر، إذ لا تمثل الدولة بمؤسساتها الدستورية ولا الحكومة بأجهزتها الأمنية شيئاً يذكر، فهناك مبالغ تستوفى من ذوي القاتل مقابل عدم إقامة الدعوى القضائية ضده، هناك سلاح منفلت وسنن بدائية خارج نطاق القانون، وعلى الأغلب هناك ضحايا لا علاقة لهم بالخلافات، فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟ وما الفرق بين هذه الأعمال العدوانية
والإرهاب؟
لا تزال «الدكة العشائرية» لغة التفاهم، على الرغم من عدها عملاً إرهابياً بحسب القانون، لكن المجني عليه يعد الشكوى جبناً وضعفاً، فيبادل «الدكة بالدكة»، بل إن بعض العشائر تعتمد على أبنائها من المتنفذين في بعض الأحزاب والفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية في تنفيذ هجوماتها، وبعض الهجومات تنفذ على مرأى من مختلف القوات الأمنية المكلفة بحماية المدن، ذلك أن تدخلهم يعد خروجاً على الأعراف العشائرية، وقد يودي بحياتهم.
المجتمع العراقي أسوة ببقية المجتمعات العربية ذو طبيعة قبلية، لكن أن تصبح هذه الطبيعة خلافاً لبقية المجتمعات مصدر عنف وزعزعة لأمن المواطن وتصبح القبيلة هي السلطة المطلقة التي تفرض هيمنتها على المجتمع، فهذا أمر خارج تصورات المنطق والعقلانية، وخارج إطار الدولة وشرعيتها، وإسقاط لكل القيم والقوانين الدستورية والشرعية والأخلاقية، فهل كتب على الشعب العراقي أن تتغلب فيه قوى الشر على قوى الخير؟ من الإرهاب الديني والسياسي إلى الإرهاب العشائري؟ كل ذلك يحدث في العاصمة بغداد، وهناك ما يفوقه في بعض
المحافظات.