حول مفهوم الإصلاح

آراء 2021/06/03
...

علي المرهج
يحمل الإصلاح في طياته حكما مسبقا على أن الآخرين يعيشون خرابا، الأمر الذي يستدعي بناء قناعة بالذات على أنها القادرة وحدها على تغيير المجتمع، ولا يكون للإصلاح معنى باعتقادنا، إلا إذا اعترفت الذات التي تنتهج هذا الطريق بأنها تسعى إلى بناء رؤية إصلاحية قائمة على نقد الذات أولا، ومن ثم نقد المجتمع والذات معا بوصفهما «أنا» واحدة وليست متغايرة، كي يتخلص أصحابه عن نزعة الوصاية والأبوية التي يتبناها عادة دعاة الفكر الإصلاحي. على دعاة الإصلاح الابتعاد عن الاهتمام بالاسم من دون المسمى بمعنى تبني مفهوم الإصلاح شعاراً مبهراً، من دون الاهتمام بما يتطلبه هذا المفهوم في ضوء الواقع ومتغيراته، وبتعبير أرسطي، ينبغي أن يهتم دعاة الاصلاح بمادة الفكر لا بصورته، بعيدًا عن الصخب الأيديولوجي وأن يحدد هؤلاء ماذا يعني الإصلاح؟، هل هو إصلاح على جميع المستويات؟ بمعنى هل هو إصلاح ثقافي أم ديني أم سياسي أم اجتماعي أم اقتصادي أم كل هذه المستويات؟، واذا كان على جميع المستويات فهذا يعني اننا نعترف أن الفساد المقابل للإصلاح يحيط بالمجتمع بكل تنوعاته، وإذا كان ذلك كذلك فمن هو المصلح؟ وكيف يمكن أن يكون الإصلاح بيد فئات عاشت الفساد وعانت التخريب وشاركت فيه؟ وهذا يدفعنا الى ضرورة تبني الإصلاح في بنية تفكير الفرد نفسه التي خربتها الأنظمة الاستبدادية السابقة.  أعتقد أن المهمة صعبة وشاقة لاسيما في زمن قل فيه المصلحون، فالإصلاح بحد ذاته يحتاج الى نخبة تنويرية وفكرية والأحزاب الآن تفتقر الى هذه النخبة، فلم يعد لدينا الأفغاني ومحمد عبده اللذان أسسا الحزب الوطني، ولم يعد لدينا عبد الفتاح ابراهيم وكامل الجادرجي اللذان أسسا جماعة الأهالي، ولم يعد لدينا حسين الرحال وفهد اللذان أسسا الحزب الشيوعي، ولم يعد لدينا محمد باقر الصدر الذي أسس لنا حزب الدعوة، وهذا يرجع باعتقادنا الى عدة أسباب منها أن النخب الفكرية التنويرية ذات عقلية أوسع من أن تؤطر في حزب، ولم تعد تستوعبها الأطر الفكرية الضيقة التي تتحرك داخلها الأحزاب، فضلًا عن اعتماد الأحزاب على العلاقات الشخصية والنزوع الوصولي لدى الكثير من المنتمين لها لا، إيماناً بمبادئها أو أهدافها، بقدر ما هو رغبة في الوصول الى المناصب والقفز إلى أعلى السلم. هناك أيضا سؤال يطرح أمام دعاة الإصلاح وهو، ماهي الضمانات التي يقدمها هؤلاء حينما يصعدون إلى السلطة بأنهم سيستمرون بنزعة الاصلاح؟!، هل لديهم القدرة على الاستمرار بالنزعة الإصلاحية أو الدعوة للإصلاح في حال اكتشافهم فسادا في السلطة او ادارة الدولة، التي بأيديهم زمام امورها، ام ان هذه النزعة الاصلاحية تنتهي بمجرد وصولهم الى سدة الحكم وتنقلب نزعة التجديد والاصلاح الى نزعة تقليد ومحافظة.  مفهوم الاصلاح ذو بعد اخلاقي لأنه يشتغل عادة على ما ينبغي ان يكون وليس على ما هو كائن، وبالتالي شئنا ام ابينا سيحمل هذا المفهوم رؤية مثالية عن العالم، والمثالية ليست سلبية بحد ذاتها، لأن المثال هو المتمنى الذي نسعى لتحقيقه وحينما يتحقق يصبح واقعا، ولكن الخشية ان يتحول هذا المفهوم الى مجرد رؤية نظرية عن العالم، معزولة ومنفصلة عن الواقع المعاش وضروراته واشكالاته ومقتضياته وممكنات الاصلاح فيه، فيكون بذلك المصلح كمن يغرد خارج السرب وخارج المعقول الواقعي، لكن إن أخذ المُصلح الواقع بعين الاعتبار ومحاولته السعي الدؤوب عملًا وفكرا لتغيير هذا الواقع. هذا ما ينبغي عليه فعله عبر جعل الفكر منتجًا من الواقع نفسه.