تراجع ثروة العمل وضمور سلسلة المهارات

آراء 2021/06/05
...

 د.سلامة الصالحي
العمل هو الفعل الذي بواسطته يتم استثمار الوقت والجهد لغرض مفيد، وهو الثروة الحقيقية التي ينتجها الانسان ويربط حلقات الحياة من زراعة وصناعة وتجارة، وقد تكون هذه الافعال مادية او حيوية تخص حياة وفكر الانسان، فالحركة بركة مثلما يقول اخوان الصفا، والعمل ثروة الأمم مثلما نعته آدم سميث، وبالممارسة والتركيز والجدية يتطور العمل ويجلب الثروات وتتطور الشعوب والاوطان، وكل عمل له رأسمال خفي وهو المهارة، التي ممكن ان تنتقل عبر خميرة البشر الذين يمنحونها لابنائهم أو تلاميذهم، على مستوى العمل اليدوي او العلمي او حتى الفكري الذي من الممكن ان تكون مهارات الكتابة والفكر قد انتقلت عبر سلسلة أجيال من الكتاب والمبدعين. 
وفي هذا المقال نتناول ما حل ببلادنا من تراجع لهذه الثروة واضطراب المهارات وضمورها مما يوحي بخطر كبير، لاسيما ونحن بلاد تكاسلت عن دورها الانساني في العمل والابتكار بعد أن داهمتها الحروب والمؤامرات ورغبة دول كثيرة ان تبقي هذه البلاد، سوقا لمنتجاتها والتي أسهمنا بطريقة وأخرى في انعاش اقتصاداتهم وحياتهم وتركنا بلادنا مكانا للاستهلاك حتى بأبسط الامور، فالزراعة وتطوير انتاجها وطرق تنظيم الري واستغلال الموارد المائية بطريقة صحيحة لاسيما ونحن من أكثر دول العالم حيازة للمياه العذبة والاراضي الخصبة ولكننا الأسوأ استغلالا لمواردنا البشرية والمائية، فتخلفت الزراعة وترك الفلاح أرضه وانشغل بالعمل المديني وصرنا مستوردين للفواكه والخضر والحبوب في حين أن باستطاعتنا ان نكون مصدرين لأرقى المحاصيل الزراعية لاسيما ونحن البلد الاول في الزراعة العضوية التي تكون منتجاتنا في مأمن من التعديلات الجينية التي يتم فيها استيراد الفواكه والخضر المعدلة جينيا والمعرضة الى التعامل الاشعاعي، ويرافق هذا التراجع، تضاؤل الخبرات الزراعية، وفقد مريب لواردات بنك البذور الخاصة بالعراق والتي لايمكن أن تشابهها بذور في العالم بجودتها ونوعيتها المميزة، هذا مختصر مايخص الزراعة التي أسهم الفلاح والدولة في تراجعها وعدم وقف الاستيراد الجائر، وجعل المنتج الوطني بائرا ولا يناسب كلفة انتاجه، أما الصناعة فقد لعبت محنة الكهرباء لعبتها في تعطيل ووقف الانتاج الصناعي العراقي لآلاف المصانع الأهلية والحكومية وبالنتيجة توقف آلاف الايدي العاملة عن الانتاج، ورفد السوق العراقية بالمنتج الوطني الذي كان مميزا وعلى درجة عالية من الجودة، وبهذا تراجعت ثروة العمل ومعدل انتاجية الفرد وضمرت المهارت وتخلخلت سلسلة نقلها الى الاجيال الجديدة، أما التجارة فإن تخلي الدولة عن دورها في الاستيراد وبيع ماتستورده للمواطن من خلال الوكلاء أدى الى أن يلعب المستغلون من التجار لعبتهم وأغرقت السوق العراقية بأكثر البضائع رداءة وسوءا، من خلال استيرادهم السيء والذي نستطيع القول إنهم يجلبونه بالفلسان ليباع بأثمان باهظة، لبضاعة مصيرها سلة المهملات وبذا أصبحت البلاد مكب نفايات لبضاعة دول العالم الرديئة تحت غياب المراقبة وحماية المستهلك والسيطرة النوعية التي لا أرى لها بصمة واضحة ونحن نتعاطى الادوية الرديئة والاغذية التالفة والاقمشة والادوات الكهربائية التي سرعان ماتجد طريقها الى عربة اتلاف النفايات، وبدأ هذا الانفلات منذ الاحتلال وحتى هذه اللحظة، فالأيدي العاملة التي تشكو من البطالة من الممكن استيعابها وجلب أيدي أجنبية أيضا إن تم استغلال موارد البلاد وتنظيمها ووضع خطة ستراتيجية من قبل المخططين لاقتصاد البلد وأن تنفذ بأيدي حريصة على مستقبل البلاد والاجيال المقبلة، فشق الطرق والسكك الحديدية عبر الصحراء واستغلال المياه الجوفية في الزراعة وتطوير سلسلة الانتاج عبر المصانع والتجارة عبر التصدير، ستسهم كثيرا في تجزئة العمل الذي يشغل أيدي أكثر وينتج أكثر وبذا نكون بلادا منتجة وليست مستهلكة فقط، ونحافظ من خلالها على عملتنا الصعبة التي ستسهم في رفع قيمة العملة العراقية التي تراجعت بسبب قلة واستهلاك العملة الصعبة ومخزوننا من الذهب والذي يمكن شراؤه، حين تنتج البلاد زرعها وثوبها وأدواتها، الامر لايدخل في خانة الاحلام والامنيات، بل يستلزم خطة محكمة وأيادي مخلصة للأخذ بيد البلاد نحو العمل وتطوير انتاجية الفرد، وبالذات القطاعات الخاصة والاهلية وإسنادها وحمايتها بقوانين العمل والانتاج وحماية المنتج المحلي والتخفيف من الاستيراد العشوائي، ووضع الدراسات لتطوير مهارات الأفراد وإعادة البلاد الى سكة الانتاج والتخفيف من الريعية التي ستكون نتائجها كارثية أمام تزايد السكان، والتوسع الأفقي الذي جعل المدن واحياءها أشبه بالدكاكين الصغيرة، فمشاريع البناء العمودية ستكون خدماتها ومتطلباتها أفضل من التوسع الافقي الذي حاصر المدن، توقف العمل والاعتماد على الاستيراد، يعطل عجلات كثيرة للانتاج والدخل، وتطوير المهارات العملية والعلمية والفكرية، والكهرباء وحل معضلتها هي اول خطوة على الطريق، الذي سيبدأ من إعادة العمل بقانون الخدمة المدنية وتحويل البلاد الى ورشة عمل يتوقف فيها الاستيراد العشوائي، وتنتشر فيها مشاريع الزراعة والثروة الحيوانية التي ستشغل بدورها المصانع والناس، فضلا عن أن شركات الاستثمار التي دخلت البلاد ليس هناك قانون يحمي العراق أمامها، فهي تجلب عمالتها من بلدانها ويوفر لها العراق المال والارض وكل التسهيلات اللازمة في حين هي لاتقدم ماينفع البلاد بل ماينفع مصلحتها 
وبلادها. 
وتقع مسؤولية هذا الاستثمار الجائر على الاشخاص الذين تعاملوا باستسهال مع موضوعة الاستثمار وقدموا البلاد على طبق من فضة للمستثمر المستغل الذي جعل من العراقي خادما في مشروعه، وللموضوع بقية.