الانتقاد والمعارضة من أساسيّات الديمقراطيَّة

آراء 2021/06/05
...

 صالح لفتة
 
في زمن النظام السابق كل كلمة ولو همساً كانت تؤدي بك الى غياهب المجهول، لذلك كان كل عراقي دون استثناء يحذر من اقرب الناس اليه، ولا يملك الشعب الا الدعاء سراً لتخليصهم من الدكتاتورية وكل مساوئها، ويمنون النفس بنظام ديمقراطي يمنحهم حرية الكلام والاعتراض والانتقاد. بعد التغيير وتأسيس نظام ديمقراطي بدستور ثابت وبرلمان وحكومة منتخبة، هناك للاسف قمع من نوع اخر و تكميم للأفواه، وأي شخص يتحدث ولو بكلمة انتقاد لسياسي أو لمسؤول الا وجاءته مذكرة تطالبه بتعويض مالي بمبلغ هائل، بغض النظر عن صحة ما يدعي المواطن، مما ولد خوفا لدى شريحة واسعة من الناس من المطالبة بحقوقهم او الكشف عن حالات الفساد او المشاركة بالآراء السياسية.
بصراحة اغلبنا من رؤساء ومرؤوسين لا نمتلك وعيا سياسيا، حيث لا نفرق بين الانتقاد والتطبيل وبين التسقيط والمعارضة وهذه هي المشكلة، لا يريد السياسي من الشعب أن يوجه له اي كلمة غير كلمات الثناء والمديح ويرى نفسه كامل و منزه من الاخطاء وهذا من المستحيل ومما لا يتقبله العقل.
إذ على المسؤول أن يتقبل النقد وان تكون له ثقافة سياسية تجنبه الرد بدعوى او تهديد،لكل من يرفع صوته مطالباً بحقوقه او معترضاً عليه، فهذا اساس الديمقراطية والمعارضة ظاهرة صحية لبناء نظام شفاف.  فلا يمكن للشعب الاشارة الى مواضع الخلل والمفاضلة بين الجيد والردئ دون كلام.
وكما لا يمكن إيقاف الفساد والهدر بالمال العام وتصحيح الأخطاء، اذا لم يوجه النقد والمطالبة بمحاسبة المفسدين والمقصرين؟.
إن تجربتنا الديمقراطية للاسف لم تترسخ لا لدى المسؤول ولا عند المواطن، فكلاهما يحتاجان وقتا اكثر لفهم المبادئ والأسس التي تقوم عليها الديمقراطية، وهي تقبل الصوت المعارض.
فأغلب المسؤولين يريدون أشخاصا مطبلين خانعين، من دون أن تصدر منهم أي لفظة انتقاد واذا سمع كلمة النقد اعتبرها استهداف شخصي يجب أن يتوقف فوراً. اما المواطن يرى أن من يمثله هو الصح والآخرين على خطأ وأن الوطن والوطنية مختزلة بذلك السياسي. إن ثقافة تقبل الرأي الآخر ومناقشة جميع الآراء هما الأساس للوصول للتعايش بسلام.
فعلى السياسيين وأنصارهم من جميع الاتجاهات أن لا يسقطوا كل من يخالفهم الرأي، فالوطن لا يمكن ان يختزل بشخص او حزب أو طائفة وهو يتسع للجميع ومن الطبيعي أن تسمع رأيا مخالفا لرأيك وصوتا لا يعجبك، المهم أنه لا يؤدي الرأي الاخر المختلف الى عنف او يتطور لإراقة الدماء، فهذا ما لا يقبله عقل او دين او قانون، فالمعارضة الوطنية هي الأساس للوصول لديمقراطية حقيقية وبناء وطن 
مستقر .