المحتوى بين التجديد والتكرار

آراء 2021/06/05
...

 علي الخفاجي
 
نتذكر قبل سنوات حين أطلق السيد حيدر العبادي عندما كان رئيساً للوزراء حملة أسماها القضاء على (ظاهرة الفضائيين) في المؤسسة العسكرية، وتوالت الدعوات للقضاء على هذه الظاهرة بعد المخاطبات، التي دعا اليها وزير، الدفاع التي تسربت وانتشرت حينها على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي لتفشي هذه الظاهرة وبشكل كبير .
 لمن لا يعرف هذه التسمية؛ ظاهرة الفضائيين هذا المصطلح الذي شاع حينها، هو القيام باستبدال شخص بآخر، أو زج اسم غير موجود بالواقع اصلاً ووضعه في السجلات المعتمدة، على إعتبار أنه موجود ومسجل في قوائم الحضور .
بعد عام 2003 اخذت القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية بالانتشار والازدياد بشكل كبير، حتى أصبحت بالعشرات أو اكثر وهي ظاهرة ايجابية ودلالة على الانفتاح وزيادة حجم الحرية، شيئاً فشيئاً أخذت بعض من هذه الفضائيات تستضيف ما يحلو لها من شخصيات، فتطلق على هذا لقب محلل سياسي وعلى ذاك خبير ستراتيجـي وعلى الآخر كاتب وقاص الى آخـره من العناوين والصفات.
في إحدى الندوات التي أقيمت في معرض الشارقة للفنون والآداب ومن خلال إجابته على إحدى الأسئلة، التي عرضت عليه عرف الباحث والمفكر العراقي المعروف سيار الجميل المثقف بأنه «ذلك الإنسان المبدع الذي يقدم للناس شيئاً جديداً مختلفاً يبهرهم به، وفي حال لم يتوافر عنصر الابداع يمكن أن نسمي هذا المثقف بمثقف الصدفة أو المثقف المزيف، وهو الذي يعمد على تزييف الحقائق وغير مؤتمن على الكلمة»، إذن ومن خلال هذا الوصف يُجرد الكثير ممن يدعون الثقافة ويحيلهم الى متابعين وليس مثقفين، لأن عنصر الإبداع لا يتوافر فيهم، بـل يعدون متلقفين للمعلومة من خلال التكرار الممل، وغيـر مؤتمنين على الكلمة الصريحة ذات المحتوى المفيد.
في هذا العالم الرحب والفضاء المتسع والقنوات الكثيرة، الوجوه نفسها تراها في هذه الفضائية أو تلك، الكلام نفسه يُعاد مراراً وتكراراً حتى يصاب المشاهد بالملل، فبدلاً من اجتذاب الناس للمشاهدة من خلال التجديد في الطرح أصبح الناس ينفرون من مثل هكذا لقاءات بسبب الشخصيات، لأنهم أمسوا يعرفون ما هي المحاور، وما هي المواضيع، التي سيتكلم بها هذا الضيف أو ذاك المحلل أوذلك الخبير، البرامج نفسها والضيوف نفسهم مع اختلاف العناوين، فهم يظهرون لأجل الظهور والتسويق لانفسهم لا لإعطاء المعلومة الجديدة ولا التحليل الموضوعي السليم، أعتقد أن مثل هؤلاء يجب أن تجرى عليهم حملة كحملة الفضائيين العسكريين، لكي نرتقي بواقعنا الإعلامي وسيكون الإعلام وقتها اكثر رقياً و ذا مقبولية بالنسبة 
للمشاهد.