قحطان الزيادي
يقول سيمغوند فرويد «بدأت الحضارة عندما قام رجل غاضب لأول مرة بإلقاء كلمة بدلاً من حجر» خُلق الإنسان اجتماعيا بطبيعته، ويميل بفطرته إلى الاجتماع مع أبناء جنسه والتآلف معهم بصورة منسجة في الحياة، وهذا الميل الطبيعي ينشأ عنه علاقات متنوعة ومتشعبة، كما ينشأ عنه الحاجة إلى التعارف والتعاون والاتصال، ولكن وبالمقابل فإن للأفراد آراء مختلفة ومصالح متناقضة في ما بينهم، وبالتالي يحدث الاختلاف والخلاف بين الناس وهذا أمر طبيعي ونتيجة منطقية، فالاختلاف سنة كونية في القضايا الإنسانية، اقتضتها المغايرة والتفاضل بين الناس وضرورة انتظام هذه الحياة وفرضتها طبيعة الاجتماع الإنساني، تلك الطبيعة القائمة على دافع الاجتماع مع الآخرين. لذلك كان القبول بالاختلاف والإقرار به أمر لا غنى عنه للأسرة الإنسانية بجميع مستويات وجودها أفرادا وأممًا وحضارات. وذلك إذا ما أرادت أن تنأى بنفسها عـن خطر الانزلاق في شرك آفات الخلاف والجدال والصدام
والصراع .
وهنا يجدر بنا أن نميز بين الاختلاف والخلاف، ثم الوقوف على الفوارق، بينهما والأسباب المؤدية إليهما والبحث في السبل المنجية من تبعاتهما، اليوم الاختلاف في الرأي تحول من مجرد اختلاف بوجهات نظر معينة الى حقد وكره بين الافراد ويصل الى مراحل مبالغ فيها من الشجار والتصادم احياناً، نرى ان الاخوة في الاسرة الواحدة يختلفون ايديولوجياً ربما يتفاهمون مرة ويختلفون ويتشاجرون، في ما بينهم مرة اخرى وتتوسع الاختلافات حتى تعم المجتمع باكلمه لان الاعم الاغلب يجهلون ثقافة الرأي والرأي الآخر، والتي تقوم على احترام الإنسان أي فكرة مخالفة لفكرته، والاستماع إليها ومناقشتها بكل حياد وموضوعية ومن دون تحيز لرأي معين، وهذا الاحترام للرآي الآخر صفة حضارية تحث على الإبداع في طرح الأفكار المتنوعة والآراء المختلفة. وعندما نقول إن «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية» نهدف إلى المحافظة على العلاقة الإنسانية بين الأطراف المتحاورة، وعدم انحدار النقاش من التحاور إلى التناحر، ومن أجل ان نحصل على اجواء حضارية وعلمية هادفة في النقاش وعلى الوصول لنقطة اتفاق وأرضية مشتركة لبناء وسطية في الرأي تعمل على توازن الاختلاف فيه، وتقرب وجهات النظر، وتقلص مساحة الخلاف.
اما الجهل فهو لا يؤمن بمساحة الاختلاف في الرأي ونقاشه باسلوب حضاري، بل من يختلف معك يصبح عدوك، واقصاؤه من المجتمع هنا يجب ان نقول إن خلافنا بالرأي والمعتقد يجب ألا يخرج عن كونه اختلافاً طبيعياً في هذا الوجود، وانا لا أفرض عليك معتقدا ورأيا وانت كذلك، بل كلنا نعيش على أرض واحدة يجمعنا وطن كبير، والكثير من المشتركات لا يمكن ان نقصي الآخر لاختلافنا معه. الاختلاف بالرأي طبيعي جداً تبعاً «اختلاف الفهم، تباين العقول، تمايز مستويات التفكير» ومن غير الطبيعي والمنطقي أن يصبح خلافنا في الرأي بوابة الى «الخصومات، العداوت، شرارة توقد نار القطيعة» العقلاء هم من يتحارون ويختلفون في حدود المنطق والعقل لانهم يؤمنون بأن الناس لا بدّ ان يختلفوا.