قاسم موزان
هزيمة الخامس من حزيران في العام 1967 مع الكيان الاسرائيلي واحدة من أعنف الهزات العسكرية لدول المواجهة العربية وعمقها العربي، التي أفرزت نتائج كارثية على مستويات عدة، منها احتلال اسرائيل لاراضٍ جديدة وضمها الى الأراضي المحتلة اصلا، ثم بناء المستوطنات عليها لاحقا وتهجير اعداد آخرى من الفلسطينيين.
وشكلت تلك الهزيمة صدمة عنيفة في الوعي العربي الذي آمن وتماهى مع الشعارات الثورية، التي اطلقها الاعلام المسيس بقرب تحرير
فلسطين، بعد الحرب انشغلت ماكنة الحكام الذين تسببوا بالكارثة القومية للبحث والتقصي في القواميس اللغوية عن مفردة تخفف من وطأة من ايقاع {الهزيمة} الى نكسة والأخيرة التي تعني إخفاقا او خسارة يعقبهما انتصار.
لم يجر حكام المواجهة ومعهم العمق العربي خلال مؤتمرات القمم الى مراجعة عسكرية ومعلوماتية ونفسية جادة عن اسباب تفوق العدوفي حربه، وكيفية بناء القدرة النفسية للجيوش واعادة الثقة بنفسها، ولم تخرج تلك القمم، الا بمزيد من الشعارات خالية من الدلالة سوى المفارقات اللغوية المقفاة بالخداع السمعي لتركين منطقة وعيه وازاحته صوب
الامل.
بعد {النكسة} جرت حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية اثرت بشكل جدي في اسرائيل، لأنها لم تألف حربا كهذه، إذ اعتادت ان تقوم بضربات استبقاقية لشل القدرات العسكرية العربية وتعطيلها الى امد غير معلوم، ورافق حرب الاستنزاف عمليات فدائية داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة التي سببت انزعاجا للكيان
الغاصب.
في تشرين الاول من العام 1973 شنت القوات المسلحة المصرية هجوما عنيفا ومباغتا على خط بارليف المحصن، واستطاع الجيش عبور قناة السويس الى الضفة الاخرى امام ذهول الاسرائليين، هذا العبور عزز ثقة الجيش العربي بنفسه، الا ان ثغرة
لعينة {ثغرة الدفرسوار} قلبت احداثيات الحرب باتجاه نصب خيمة الكيلو 101 التي ضمت القادة العسكريين من الجانبين باشراف الامم المتحدة لتحديد وقف
اطلاق.
السنوات التي اعقبت ذلك التاريخ قام السادات بزيارة مفاجئة الى الكنسيت الاسرائيلي الذي اعلن من هناك {ان اسرائيل حقيقة واقعة}،
وهذا اعتراف صريح بشرعية الوجود الاسرائيلي من دون اقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في اعوام لاحقة استطاعت اسرائيل تطبيع علاقاتها مع دول عربية اخرى لم تكن ضمن دول المواجهة، لو تجد تلك الدول المبرر للعداء التاريخي لها.
اهملت اسرائيل الاوراق الداخلية للوجود الفلسطيني، ولم تنتبه الى تنامي الشجب الداخلي، الذي بدأ يتصاعد جراء سياسات اسرائيل العنصرية من جهة وخذلان العرب، فكانت الرشقات الصاروخبة تجاه تل ابيب تنبيه اسرائيل الى وجود شعب حي، يسعى لانتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والكرامة، الا ان الرد الاسرائيلي كان عنيفا للغاية اوقع خسائر بشرية ومادية جسيمة في قطاع غزة المنكوبة، انه صراع البقاء والوجود.