دورين هورشغ
بدأ يوم 13 كانون الثاني 2018 مثلما يبدأ أي يوم سبت عادي في هاواي، قبل ان تتخذ الاحداث ذلك المنعطف الدراماتيكي. ففي الساعة 8.07 صباحاً بثت وكالة إدارة الطوارئ في هاواي رسالة رسمية موجهة لأكثر من مليون شخص نصها: «خطر! صاروخ بالستي يتجه نحو هاواي! اقصد فوراً أحد الملاجئ.. هذا ليس تدريباً أمنياً».
اتضح في ما بعد أن ذلك كان إنذاراً كاذباً وقع جراء خطأ بشري، بيد أن المواطنين لم يعلموا هذا إلا بعد مرور ثمان وثلاثين دقيقة، ونظراً للتوترات الجيوسياسية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة آنذاك بدا التهديد منطقياً ومعقولاً.
«بالنسبة لي ولمئات الألوف من اناس آخرين، نحن الذين عشنا ذلك الظرف واحسسنا وطأته بحق، كان الأمر تجربة موت وشيك، لقد كانت تجربة شخصية للغاية. أدرك اليوم أني حين كنت اتصل بابنتي لأودعها وأقول لها إنني احبها كان هناك مئات الألوف غيري يفعلون الشيء نفسه”. هذا هو ما قالته صانعة الأفلام الوثائقية «سنثيا لازاروف» التي كانت في جزيرة كاواي في ذلك اليوم عندما انطلق الانذار الكاذب. في وقت لاحق تحدثت سنثيا عن تلك التجربة المروعة وكيف حفزتها ودفعتها الى مساعدة الاخرين على استقاء الدرس منها.
قبل عام من تلك الحادثة كان شغل سنثيا الشاغل هو إجراء مقابلات مع خبراء عديدين في الولايات المتحدة وروسيا تتعلق بالخطر النووي، ومن بينهم الرئيس السوفياتي السابق «ميخائيل غورباتشوف» ووزير الدفاع الأميركي السابق «وليام بيري». منذ ذلك الحين كانت تعي بعمق شديد ما يعنيه خطر الهول النووي.
ما هي الدروس التي يخرج بها المرء من مثل هذه التجربة المروعة؟ لقد عمق ذلك الانذار لدى سنثيا الإحساس بقيمة الحياة، ولكنه الى جانب هذا جسّد أمامها حقيقة خطر الحرب النووية.
تقول سنثيا: «هذا الخطر باق ولن يرحل، خطر وقوع حرب نووية بالخطأ نتيجة انذار كاذب او حماقة ترتكب او خطأ حسابات او غلطة تقع في لحظة تأزم الصراع. هذا الخطر لن يزول ما لم تنبذ الاسلحة النووية».
العبرة التي نخرج بها من انذار هاواي هي أهمية التصدي الجاد لخطر اندلاع حرب نووية بلا تعمد بسبب انذار كاذب. لقد شهد التاريخ حالات عديدة مماثلة، فخلال عامي 1979 - 1980 التقطت رادارات قيادة الدفاع الجوفضائي في أميركا الشمالية صوراً أظهرت بالخطأ وقوع هجوم سوفييتي كبير. وفي العام 1983 تلقى السوفييت انذارات كاذبة من انظمتهم أوهمتهم بأن عدداً من الصواريخ عابرة القارات قد أنطلقت من الولايات المتحدة، ولكن من حسن الحظ ان تلك الحوادث العارضة لم تتسبب بأزمة نووية. بعد ذلك جاء انذار هاواي الكاذب ليضاف الى قائمة حوادث الحظ العاثر المقلقة.
من وجهة نظر سنثيا أن الانذار الكاذب يجب وصفه نداء تنبيه وصحوة، ففي ذلك اليوم اعتقد الناس أن الخطر حقيقي، وهذا يثبت ان شبح الخطر النووي ماثل دائماً لا يغيب. في مقالة نشرتها سنثيا دعت الى صحوة بهذا المعنى وطرحت قواعد عمل تتضمن خطوات منسقة من اجل خفض فوري لخطر الكارثة النووية، مثل إخراج الصواريخ النووية من وضع الانذار الأقصى ورفع الاصبع عن الزناد ثم إعادة فتح قنوات الاتصال بين القوات العسكرية التابعة للدول بعضها ببعض واتباع سياسة التخلي عن مبادرة الضرب أولاً.
تشارك سنثيا ايضاً في مشروع دولي لإعداد جيل جديد من النساء القائدات بهدف تغيير الموروث النووي. فمنذ انبثاق فجر العصر النووي حرمت النساء من أخذ مقعد على طاولة رسم السياسة النووية، حيث هيمن الرجال من العرق الأبيض على هذا المجال منذ أمد طويل ولم تفلح كل الجهود التي بذلت لإدخال شيء من التنوع والمشاركة في تحقيق شيء سوى نجاح محدود في مجال السياسة النووية. تتضمن الجهود المعتادة المشار اليها التدرب على إشاعة التنوع ووضع أنظمة للتعامل مع حالات التظلم والشكاوى داخل المنظمات، بيد أن هذه الوسائل الوقائية لم تحقق شيئاً يذكر لمعالجة اسباب المشكلة من جذورها. بدلاً من ذلك يحتاج الحقل النووي، كما تعتقد «مارينا روبنسون سنودن» التي تعمل بمنصب مهندس أقدم في قسم تحليلات الأمن القومي بمختبر جون هوبكنز للفيزياء التطبيقية، الى مبادرات استباقية كالتحرك الدقيق الصارم لجمع البيانات عن طريق المقابلات وعمليات المسح لتفهم كيف تتجاوب النساء مع تجربة الثقافة المنظماتية.
بدأت سنثيا مساعيها لإشراك النساء من مستوى القواعد الشعبية مستخدمة في ذلك برنامجاً خاصاً للمتابعة العالمية عبر الانترنت تشارك فيه حالياً اكثر من 300 امرأة ينتمين الى 42 دولة بينها ثمان أو تسع نووية. تقول موضحة إن اتفاقيات السلام ستصبح أقرب الى التحقق وأكثر ثباتاً عندما تشارك فيها النساء.
إنذار هاواي 2018 الكاذب نبّه «سنثيا لازاروف» بلا شك الى مخاطر قيام حرب نووية والحاجة الى إجراء اصلاحات في الساحة النووية، بيد أن النداء كان ينبغي ان يكون للوسط كله من اجل تغيير الإرث النووي. ويجب أن يكون هناك تحول جذري باتجاه مزيد من السيطرة على التسلح وإشراك النساء في الميدان النووي ودمقرطة هذه الساحة لأجل خفض تلك الاخطار التي تحولت الى حقيقة ملموسة في هاواي.
عن موقع «ذي ناشنال إنتريست»