القطاع الخاص واقتصاد السوق

آراء 2021/06/09
...

 بشير خزعل 
 
قبل قيام ثورة 14 تموز 1958، كانت الدولة العراقية تمارس ادارة بعض المشاريع الرئيسة من خلال مجلس الأعمار الذي أنشئ في خمسينيات القرن الماضي، إذ تولى هذا المجلس في تلك الفترة مهمة الإشراف على الإنفاق الحكومي انذاك ومن دون التدخل في عمل القطاع الخاص الذي كان يتمتع باستقلالية تامة، وبعد قيام ثورة «58»، الغت الدولة مجلس الاعمار ومارست دوراً رئيسا من خلال المؤسسات المركزية، التي كانت تدير الاقتصاد تخطيطاً وتنفيذاً واستمرت على هذه السياسية الاقتصادية حتى بعد انتهاء عهد الجمهورية الاولى ووصولا الى عهد النظام السابق، فالعائدات النفطية كانت تدر اموالا طائلة على الدولة العراقية، لكن بعد فترة العقوبات الاقتصادية خلال فترة التسعينيات انخفضت العائدات المالية للنفط بسبب الحصار وعجزت الدولة عن ادارة مؤسساتها المركزية، ولم يكن امامها سوى اللجوء الى القطاع الخاص للتخفيف من ضغط العقوبات الاقتصادية التي ارهقت الشعب العراقي بشكل مفرط، وادى وضع القطاع الخاص في الواجهة وفي غياب مواد اولية متنوعة وكثيرة تدخل في مختلف الصناعات الى تحفيز القطاع الخاص بشكل ذاتي، وصار دوره مهما في الاقتصاد العراقي رغم الصعوبات التي كان يعاني منها. بعد التغيير عام 2003، وكما جاء في دستور العراق الجديد نصت المادة «25» منه على تكفل الدولة بالاصلاح الاقتصاد العراقي، وفق أُسسٍ اقتصاديةٍ حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته، كما نصت المادة «23» على ان الملكية الخاصة مصونةٌ، ويحق للمالك الانتفاع منها واستغلالها والتصرف بها في حدود القانون. وجاء في المادة «24» أن تكفل الدولة حرية الانتقال للأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الأموال العراقية بين الأقاليم والمحافظات، ومع ملامح هذا التوجه الجديد نحو اقتصاد السوق، تخبط الاقتصاد العراقي في تنفيذ سياسته الجديدة، وظل عالقا في الوضع الاقتصادي السابق، برغم الانفتاح على اغلب اقتصاديات دول العالم، وادى التعقيد وشيوع حالات الفساد الى صعوبة عمل القطاع الخاص بشكل مرن، واصبح بيئة طاردة للاستثمارات المحلية والاجنبية، الافكار والاحاديث او حتى بعض المساعي التي تدعو الى تنظيم السياسية الاقتصادية للبلاد، لن يكتب لها النجاح ما لم تلتفت الدولة الى تنظيم واقعها الاقتصادي الجديد، على اسس علمية وعملية بعيدة عن سياسية الاختلاف والعواطف لتتلافى هذا التناقض في سياستها الاقتصادية، التي نص عليها الدستور، تخلي الدولة عن السيطرة على الانتاج بشرط فرض معايير الجودة والكفاءة للمنتج المصنع ومبدأ تكافؤ الفرص، وتنويع استثمارات القطاع الخاص نحو القطاعات الاقتصادية في الداخل والخارج حتما ستسهم في التخلي عن الاعتماد على الخارج، وللدولة العراقية قدرة كبيرة على تحفيز قطاعها الخاص من خلال تقديم امتيازات متنوعة ومختلفة لاتكلفها اي اعباء مالية، ويبقى الامر الاهم هو حماية القطاع الخاص من الفساد الاداري الذي يمكن ان يواجهه مع بعض الموسسات الحكومية، فمن دون تسهيلات ادارية وضمانات حكومية لن ينهض القطاع الخاص في العراق ولن يتطابق الواقع الاقتصادي العراقي مع ما جاء في 
دستوره.