في التنوير والثورة

آراء 2021/06/10
...

علي المرهج
لا شكَّ أن الفرق كبير بين مفهوم «التنوير» و مفهوم «الثورة»، وقد يكون للأول أصول معرفية واضحة، أما «التثوير» فيمكن القول إن له أصولاً في الفكر بصفته الأيديولوجية والعقائدية، وقد يكون مرتبطا بالممارسة والفعل أكثر من ارتباطه بنظرية، وقد تأتي النظرية فيه بعد الفعل.
لا ينفصل «التنوير» عن الفعل، ولكن النظرية فيه تغلب على الفعل، أو يمكن القول أن «التنوير» فعل عقلاني يضبط ايقاع الفعل والممارسة كي لا ينزلق الى مغريات الانفعال العاطفي والوجدان.
يعد نوري جعفر أن ما يأتي من عُنف في أعقاب أي ثورة إنما هو من مُتمماتها، ليؤكد أن الثورة الحقيقية إنما هي «الثورة الحمراء» التي لا تكتمل إلا بالقضاء على رجالات العهد القديم!، لأن الثورة تستمد شرعيتها من تأكيد الثوار على ضرورة تحقيق «العدالة الاجتماعية».
يؤكد علي شريعتي أن الثورة تكون وشيكة الحدوث حينما يشتد فساد الفئة الحاكمة، وكلما أوغلت الفئة الحاكمة في الفساد عُمقاً قربت ساعة انهيارها وحفرت قبرها بيدها عاجلاً أم آجلاً.
تبدو ملامح وجود الثورة جلية حينما يشتد الصراع الطبقي، فتكون الفئة الحاكمة ورجالاتها منتفعة وتنهب أموال الدولة وغالبية الجماهير محرومة.
يؤكد غوستاف لوبون في كتابه «روح الثورات، والثورة الفرنسية» أن الثورة تحصل وفق مُعطيات عقلية، فلا ثورة من دون وجود أسباب عقلية وواقعية كانت هي الأصل في حدوثها، ولكن لا يكون لهذه الأسباب قوة تأثير إن لم تتحول إلى عواطف يشعر الجمهور أو الجماعات الثائرة بتأثيرها الحماسي، لذلك فلا نجاح لثورة من دون «إفعام لقلوب الجماهير بالآمال، لذلك نجد أغلب الثورات التي نجحت إنما يستعين قادتها بتأجيج العاطفة الدينية أو الوطنية، ولا تنجح الثورة» ولا تصبح ذات نتائج إلَا بعد هبوطها لروح الجماعات.
أما التنوير، فهو محاولة للتخلص من التبعية والجهل والتجهيل، بدأت ملامحه مع فلاسفة القرن السابع عشر، وفي مقدمتهم، ديكارت وفرنسيس ببيكون، وما ميز فلسفة ديكارت هو «الكوجيتو» الديكارتي، أو تبنيه لما سُميّ بالشك المنهجي، وهو شكل من أشكل إعادة بناء العقل الإنساني وفق قدرته على إدراك الوجود، وعدم التسليم بأي شيء عى أنه حق ما لم يتبين أنه كذلك، بدأ الفكر يعتمد على مقدار فهم الإنسان للعالم الذي هو فيه من دون التعكز على معطيات الغيب واللاهوت.
وقد كان لفرنسيس بيكون هذا الفضل حينما انتقد ما أسماه «أوهام العقل» أو «أصنام العقل»، وحين النظر لهذه الأوهام نجدها متداخلة. أعادت فلسفة التنوير الاعتبار للعقل الإنساني ودوره الفاعل في معرفة الطبيعة والوجود، الأمر الذي دفع باتجاه تطور العلوم الرياضية والتجريبة، والعمل على استقلال العلوم الطبيعية عن هيمنة التفسيرات الميتافيزيقية للوجود، وبدأت سلطة رجال الدين أو «الكهنوت» بالتقلص تدريجياً، ليحل العالم محله.
ما يُميز إيمانؤيل كانت في سؤاله ما التنوير؟ هو دعوته لتحرير العقل من التبعية والوصاية، بمعنى آخر أن كانت يدعو للتحرر أولاً والتعقل ثانياً، ولا تحرر ولا تعقل حينما يقبل العقل بتبعيته لآخر، أي أننا كبشر نعي حاجتنا للحرية وللتعقل، هذان العنصران اللذان يجعلان من الإنسان إنساناً بالفعل، لأنه تخلص من التبعية واستعمال عقله دون وصاية من أحد.
التنوير عند كانت هو دعوة لخروج الإنسان من إحساسه بالقصور الذاتي ليجعل من عقله مناراً يهتدي به، فهو يستكمل طرق ديكارت بمقولته «الكوجيتو» الشهيرة «أنا أفكر.. أنا موجود» بوصفها دعوة لاعتماد العقل على متبنياته K رغم أنه «أي كانت» حاول التقريب بين نزعة ديكارت العقلية المحضة والنزعة التجريبة 
المحضة.