متى يغادر العراق اقتصاده الأحادي الريعي؟

آراء 2021/06/12
...

  رزاق عداي
 ربما العراق هو الدولة الوحيدة المنتجة للنفط في العالم، ذات الاقتصاد الريعي، التي ما زالت غير مستشعرة لعدم استقرار السوق النفطية عالميا اولا، وثانيا كونها الدولة غير المتبصرة للمخاطر المتأتية من تهديدات بدائل الطاقة التي باتت تحقق نتائج ملموسة، قد تدفع بالنفط بعيدا عن الاهمية الاولى في مجال الطاقة، مالم تدفعة خارج الدائرة كما حصل للفحم الحجري في نهاية القرن التاسع عشر.
 
 ما يلفت النظر بخصوص الظاهرة الريعية التي تسم الاقتصاد العراقي، في السنوات التي أعقبت العام 2003، أنها تكرست بشكل خطير إذ لم تغب مبادرات تخفيفها حسب، بل جرى المضي نحو تدمير بنى الانتاج الأخرى المعوّل عليها لتدعيم موارد الخزينة العامة، فحصل تصفير للقطاع الصناعي، وشبه إلغاء للنشاط الزراعي، بنوايا مقصودة تهدف إلى شيوع ظاهرة العقود في المعاملات الحكومية في الوزارات والمؤسسات والإدارات كافة لتكون شكل النشاط الاقتصادي بعمومه!
ولغرض تعقب مسار الاقتصاد العراقي لا بد من مقدمة تاريخية مختصرة في هذا المضمار، إذ نلاحظ أن المنحنى له تأثر بفاعلية عدة قوانين صدرت في عهود مختلفة ألقت بظلالها القاتمة في أطوار تاريخية لاحقة، من هذه القوانين مثلا قانون الإصلاح الزراعي لسنة 1959، الذي سن بدواعي تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع ملكية الأراضي الزراعية، فمن الغريب أن تناقصاً حصل في الغلة الزراعية المستحصلة سنوياً في أعقاب صدور القرار، فالاقتصاد العراقي الذي انطلق مع تأسيس الدولة العراقية كانت هيكليته إقطاعية أوجدها الاحتلال البريطاني، وميزته الانتاج الوفير بفضل خصوبة التربة ووفرة المياه، لذلك كانت مساهمته تأتي بالدرجة الأولى في تشكيل الدخل القومي العراقي آنذاك، في أغلب سنوات العهد الملكي حتى العام 1959 حصراً، حسب جداول نشرها حنا بطاطو في كتابة «العراق»، فكان المنتج الزراعي العراقي يسد الحاجة المحلية، وما يتبقى يصدر إلى دول الجوار.
أمّا القانون الثاني الذي صدر في العام 1964، فهو قانون تأميم كل أنشطة القطاع الصناعي حتى المشاريع الصغيرة منه، تشبهاً بتجربة إجراءات التأميم التي حصلت في مصر وكان مصيرها الإخفاق الكبير، وكان الهدف من هذا القانون ربط هذا القطاع بعجلة الدولة.
بعد العام 1968 انضم قطاعا التجارة والخدمات إلى الدولة بقوانين تشبه السابقة في عشوائيتها، لتطبق الدولة في نهاية عقد السبعينيات على كل قطاعات الاقتصاد، وليتقدم النفط ليكون المورد الوحيد الأساس لموازنة الدولة.
ومنذ الحرب العراقية – الإيرانية، ثم حرب اجتياح الكويت، ثم العقوبات الاقتصادية الطويلة، بات الاقتصاد العراقي خارج الحسابات والتخطيط، وفي العام 2003 كان الأمل معقوداً على بناء الدولة وإجراء الحداثة، ولكن الذي حصل هو نكوص فادح من نوع آخر، فأهم ما يميز الشريحة السياسية التي تداورت السلطة، أنها لا تمتلك رؤية تحديث وبناء دولة، لكونها اعتلت الحكم بوازع التمسك بالسلطة والنفوذ والمال، فالتوافق في ما بينها أنتج المحاصصة، وهذه الأخيرة أنتجت الفساد بضراوة، ودمرت البنى التحتية لكل قطاعات الاقتصاد.